هل عیّن النبی (ص) فی زمان مرضه أبابکر إماماً للجماعة؟


السؤال
 
هل تعیین إمامة أبی بکر للجماعة فی زمان مرض النبی (ص) صحیح أم لا؟
 
 
الجواب الإجمالي

 

نُقلت عدة روایات فی هذا المجال فی المصادر السنیة، القبول بها یوجد عندنا عدّة إشکالات و ابهامات لابد من ردّها. و علی فرضا صحتها و التسلیم بها، فإن مجرد تعیین شخص إماماً للجماعة مرة واحدة أو مرّتین لا یکون دلیلاً علی أحقّیته و لیاقته للخلافة بعد النبی (ص) و ذلک لوجود أفراد آخرین قد صرّح النبی الأکرم (ص) بأحقّیتهم و لیاقتهم لإمامة الجماعة فی الصلاة، و لکن لا نری من یعتبر هذا التصریح دلیلا علی أحقیّتهم فی الإمامة و الخلافة.

 

الجواب التفصيلي

 

جاء فی المصادر السنیة أن النبی (ص) أمر یوماً فی أیام مرضه أبابکر للصلاة الجماعة فی الناس. و قد اعتبر الکثیر من أهل السنة هذه القضیة نوع تفضیل لأبی بکر و دلیلا علی أحقیته فی أمر الخلافة. لکن هذه القضیة قد نُقلت بأسالیب مختلفة لا یُمکن قبول أیٍّ منها.

 

روی مسلم فی صحیحه عن عائشة انها قالت: «لما اشتد برسول الله (ص) وجعه، قیل له فی الصلاة فقال: مروا أبابکر فلیصل بالناس، قالت عائشة: أن أبابکر رقیقٌ إذا قرأ غلبه البُکاء، قال: مروه فلیصلی فعاودته قال: مروه فیصلی انکنّ صواحب یوسف». [1]

 

فی حدیث آخر عن عائشة لما مرض رسول الله (ص) المرض الذی مات فیه اَذن بلال للصلاة فقال: مروا أبابکر أن یصلی بالناس، فقلت أن أبابکر رجل رقیق القلب ...... الی أن قال: اِنکن صواحب یوسف، فأرسلنا خلفه فتقدم أبوبکر و وجد رسول الله (ص) خفّة فخرج یهادی بین رجلین .... فلما دنا من أبی بکر تأخّر ابوبکر فأشار إلیه رسول الله (ص) أن قم فی مقامک فقعد رسول الله (ص) فصلی الی جنب ابوبکر جالساً قالت فکان ابوبکر یصلّی بصلاة النبی (ص) و کان الناس یصلّون بصلاة أبی بکر. [2]

 

قال الطبری: قال رسول الله (ص)«آن وقت الصلاة؟ قیل: نعم قال: فأمروا أبابکر لیصلی بالناس، فقالت عائشة: أنه رجل رقیق فمر عمر فقال: مروا عمر فقال: عمر: ما کنت لأتقدم و ابوبکر شاهد فتقدم و وجد رسول الله خفة فخرج فلما سمع ابوبکر حرکته تأخّر فجذب رسول الله (ص) ثوبه فأقامه مکانه و قعد رسول الله (ص) فقرأ من حیث انتهی ابوبکر.[3]

 

ما جاء فی هذه الروایات یدعو الی کثیر من التأمّل و یبعث علی مزید من التساؤل بحیث لا یُمکن أن یطمئن إلیها أحد، و من هذه الأسئلة:

 

السؤال الأول: إذا کان النبی (ص) قد أمر أبابکر بالصلاة بالناس جماعة، فلماذا یذهب بعدها الی المسجد للصلاة بصعوبة بحیث لم یکن قادراً علی المشی؟.

 

السؤال الثانی: هل حضوره فی المسجد کان تأییداً لأبی بکر؟ و إذا کان کذلک فلماذا یجره و یفرش قمیصه و یقف مکانه و یصلی؟

 

السؤال الثالث: إذا کان ابوبکر قد اقتدی بالنبی (ص) کما تذکر الروایة، إذن لا یوجد أی معنی لإمامته، فهل من الممکن أن یکون الشخص فی وقت واحد إماماً لشخص و مأموماً لآخرین.

 

السؤال الرابع: ما هی هذه الصلاة التی صلّاها ابو بکر بدلاً عن النبی (ص)؟ هل کانت صباحاً أم ظهراً أم عشاءً و أین حصلت هذه الإمامة؟ و لماذا نقل محدثو أهل السنة هذه القصة بشکل متناقض فی کُتبهم؟

 

السؤال الخامس: إذا کانت هذه الصلاة دلیلا علی اولویة أبی بکر للخلافة، فلماذا لم یستد بها شخص من المهاجرین و الأنصار فی السقیفة بل و حتی نفس أبی بکر لم یستدل بها؟

 

السؤال السادس: إذا کانت صلاة أبی بکر نیابة عن النبی (ص) موجبة لإستحقاقه للخلافة، فلماذا لا یستحق «عبد الرحمن بن عوف» الخلافة؟ ألم یروی محدثوا أهل السنة فیه روایة عن النبی (ص) –و لم یشکّک فی هذه الروایة أحد منهم- حیث ینقلون أن النبی (ص) قال فی حقه «صلی خلفه». [4]

 

السؤال السابع: و هل هذه الصلاة –علی فرض ثبوتها- یُمکن أن تقف أمام النصوص الکثیرة المتواترة التی ذکرها النبی (ص) فی حق أمیر المؤمنین(ع) حیث یقول: «یا علی أنت منّی بمنزلة هارون من موسی». [5]

 

السؤال الثامن: علی فرض ثبوت هذه المسألة، لماذا عندما یامر النبی و فی فراش مرضه أبابکر للصلاة بالناس جماعة لا یقال عنه أنه یهجر! و لکن عندما یأمر بدواة و صحیفة لکی یکتب شیئاً علی حد قوله (ص) «لن تضلّوا بعدی أبداً» یقول عمر –نستجیر بالله- أن النبی لیهجر؟[6]

 

فإذا کان النبی(ص) یهجر، فلماذا جعلتم کلامه (ص) فی صلاة أبی بکر سنداً؟ و إذا لم یکن یهجر فلماذا نسب له عمر الهذیان؟

 

السؤال التاسع: لقد أمر النبی (ص) أصحابه و هو فی فراش موته أن یلتحقوا بجیش اسامة و قال (ص) «جهّزوا جیش اسامة[7] لعن الله من تخلّف عنه»[8] و علی رأی کل المؤرّخین أن اسامة لم یرجع بجیشه حتی توفی النبی(ص) فهل کان ابوبکر مع جیش اسامة أم لا؟ و إذا لم یشترک فقد تخلّف عن أمر النبی(ص).[9] و إذا اشترک فلم یکن عندها فی المدینة حتی یُمکنه أن یصلی بدل النبی (ص). [10]

إذن، مع کل هذه التناقضات کیف یصح أن أبابکر صلّی نیابة عن النبی (ص)؟

 

السؤال العاشر: لماذا یعاتب النبی (ص) زوجاته، مشبها لهن بصواحب یوسف، فماذا فعلت عائشة حتی تستحق هذا العتب و التقریع؟

 

مع کل هذه الاسئلة التی لا جواب عنها، لا یُمکن قبول صحة و دلالة هذه الروایات. [11]

http://www.islamquest.net/ar/archive/question/fa9029

 


[1]  صحیح مسلم، کتاب الصلاة، ج1 ص313؛ صحیح البخاری، کتاب الأذان؛ مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص239؛ مسند أبی عوانة، ص114 و ...

[2]  صحیح البخاری، کتاب الصلاة، ج1 ص85 و92؛ صحیح مسلم، ج1 ص85 و92؛ مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص210؛ سنن النسائی، ج3 ص99و100 و ...

[3]  تاریخ الطبری، ج2، ص230، طبعة بیروت.

[4]  المغازی، الواقدی، ج3، ص1012؛ تهذیب الکمال، ج14ص122.

[5]  نفس المصدر.

[6]  عمر بن الخطاب و لأجل منع النبی الأکرم(ص) من الوصیة قال: «دعوا الرجل فإنه لیهجر!!! حسبنا کتاب الله» و قد نقلها أکابر علماء السنة بألفاظ مختلفة فضلاً عن علماء الشیعة: الف: صحیح البخاری، کتاب العلم، باب کتابة العلم، ج1، ص39، ج2، ص118- ج4، باب قول المریض من کتاب المرضی، ص5، ج6، باب مرض النبی(ص) و وفاته، ص11 –ج4 کتاب الجهاد، باب جوائز الوفد، ص85.

ب: صحیح مسلم، ج6، کتاب الوصیة، باب ترک الوصیة، ص76.

ج: شرح نهج البلاغة لإبن أبی الحدید المعتزلی، ج2 ص536 و ج2 ص20.

د: الکامل، لإبن اثیر، ج2 ص217.

[7]  تاریخ مدینة دمشق، لإبن عساکر، ج2 ص57 و ج8 ص60؛ المعجم الکبیر، الطبرانی، ج3 ص130؛ کنز العمال، ج10 ص576 و ...

[8] الملل و النحل، للشهرستانی، ج1، ص23 ؛ تاریخ خلیفة ابن خیاط، ص63-64؛ شرح نهج البلاغة، لإبن أبی الحدید، ج6 ص52 و ...

[9]  مضافاً الی ذلک لو قلنا بعدم ذهاب أبی بکر مع جیش اسامة یکون مشمولاً للعن النبی الأکرم (ص). و ذلک لأن طبقاً لبعض الروایات کما جاء فی هامش رقم 8 أن النبی (ص) لعن المتخلّفین عن جیش اسامة.

[10]  صرّح أکثر مؤرّخی السنة، أن أبابکر کان فی جیش اسامة، منهم:طبقات الکبری،لإبن سعد، ج4 ص46 و 136؛ تهذیب، لإبن عساکر، ج2 ص391 و ج3 ص215؛ کنز العمال، ج5 ص312؛ تاریخ الخمیس، ج2 ص172؛ تاریخ الیعقوبی، ج2، ص93؛ شرح نهج البلاغة، لإبن أبی الحدید، ج1 ص53 و ج2 ص21 و ...

[11]  اُخذ من «الفاروق الأعظم علی(ع)» مع قلیل من التصرّف و التغییر.

بحث حول البخاري وصحيحه


 


هل يوجد أحد من علماء أهل السنة ينتقد ما في الصحيحين و مؤلفيهما؟

 

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ليست الشيعة أول من فتح باب الإنتقاد على الصحيحين ومؤلفيهما, بل أنّ علماء أهل السنة أنفسهم لهم السبق في هذا الأمر وأنّهم تعرّضوا لنقدهما وبيّنوا الحقيقة بصراحة, وفتحوا باب نقد الصحيحين على مصراعيه..

ومن هؤلاء الناقدين جمع من العلماء والمحدثين والحفّاظ وشراح الصحيحين الذين تعتمد أهل السنة على أقوالهم وتعترف بعلوّا مقامهم العلمي, مثل:

1- محمد بن يحيى الذهلي:

قال ابن خلكان: محمد بن يحيى المعروف بالذهلي من أكابر العلماء والحفاظ وأشهرهم, وهو أستاذ وشيخ البخاري ومسلم وأبي داود والتمرذي والنسائي وابن ماجة. (وفيات الأعيان لابن خلكان 4, 282 ترجمة الذهلي). قال الكلاباذي الإصبهاني في كتابه الجمع بين رجال الصحيحين في ترجمة الذهلي: روي عنه البخاري في الصوم والطب والجنائز والعتق وغير موضع في ما يقرب من ثلاثين موضعا ً... إنّ البخاري لمّا دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرّح باسمه.

راجع: الجمع بين رجال الصحيحين, 2, 465 ترجمة رقم 1787) . وقال: أحمد بن حنبل لابنه وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله الذهلي واكتبوا عنه. (تاريخ بغداد, 3, 416).

قال الخطيب البغدادي: " كان البخاري خلافا ً لأكثر متكلّمي عصره يقول بأنّ لفظ القرآن مخلوق, ولمّا ورد مدنية نيسابور أفتى الذهلي - الذي تقلّد منصب الإفتاء والإمامة بنيسابور - قائلا ً: ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتّهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلّا من كان على مثل مذهبه. (تاريخ بغداد, 2, 31) (ذهب أحمد بن حنبل إلى تكفير من يقول بخلق القرآن فقال: والقرآن كلام الله ليس بمخلوق, فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر, ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو أخبث من الأوّل, ومن زعم أن تلفّظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوق والقرآن كلام الله فهو جهمي, ومن لم يكفر هؤلاء القوم والقائلين بخلق القرآن وكلام الله فهو مثلهم - كافر - راجع: كتاب السنة لأحمد بن حنبل, 3, 53).

قال محمد بن يحيى: كتب إلينا من بغداد أنّ محمد بن إسماعيل يقول: بأنّ لفظ القرآن ليس قديم, وقد استتبناه في هذه ولم ينته: فلا يحقّ لأحد أن يحضر مجلسه بعد مجلسنا هذا. (تاريخ بغداد, 2, 31, وإرشاد الساري, 1, 38 و هدى الساري مقدمة فتح الباري, 491 وإستقصاء الأفعام, 9787).

لم يذهب الذهلي بفساد عقيدة البخاري فحسب, بل كان يرى انحراف صاحبه مسلم بن حجّاج - صاحب الصحيح - عن العقيدة السليمة, ولذا طرده عن مجلسه وحرّم على الناس حضور مجلسه. (دائرة معارف القرن العشرين, 5, 292 مادّة سلم, وتذكرة الحفّاظ, 2, 589 ترجمة مسلم بن الحجاج رقم 613) يظهر من هذه الأقوال بأن البخاري ومسلم كانا محل رفض وطرد من قبل أهل نيسابور وعلماء بغداد وأهلها لاعتقادهما في القرآن بأنه مخلوق, وكان هذا سببا ً لطردهما من نيسابور.

2- أبو زرعة الرازي:

يعدّ أبو زرعة من حفّاظ الحديث وعلم من أعلام الرجال والعلوم الأخرى, قال الفاضل النووي فيه: انتهى الحفظ - حفظ الحديث - إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة و... (تهذيب الأسماء واللغات, 1/ 68).

قال الخطيب عن سعيد بن عمر وقال: شهدت أبا زرعة الرازي ذكر كتاب الصحيح الذي ألّف مسلم بن الحجّاج ثمّ المصوّغ على مثاله - صحيح البخاري - فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه فعلموا شيئا ً يتسوقون به, ألّفوا كتابا ً لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رئاسة قبل وقتها. وأتاه ذات يوم - وأنا شاهد - رجل بكتب الصحيح من رواية مسلم فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر, فقال أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر, ثم رأى في كتابه قطن بن نصير فقال لي: وهذا أطمّ من الأوّل. (تاريخ بغداد, 273).

وذكر الذهبي قصّة أبي زرعة ولكنّه أتى بكلمة يتسوّقون - يتاجرون - بدلاً عن كلمة يتشوّفون - يتظاهرون -. (ميزان الإعتدال, 1, 126 ترجمة أحمد بن عيسى المصري التستري رقم 507).

3- النووي:

قال النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم: وأمّا قول مسلم - وادّعاؤه في صحيحه بأنّ ليس كلّ شيء صحيح عندي وضعته فيه فحسب, بل جمعت في كتابي الصّحيح كلّ ما اتّفق الجمهور على صحته - فمشكل فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلف في صحّتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممّن اختلفوا في صحّة حديثه. (مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي, 16).

4- ابن حجر:

قال ابن حجر: وعدّة ما اجتمع الناس - على قدحه من الأحاديث - ممّا في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة حديثا ً منها ما وافقه مسلم على تخريجه وهو اثنان وثلاثون حديثا ً. (هدي الساري مقدمة فتح الباري, 345) وجاء في مقدمة فتح الباري: فقد تناول جماعة من المحدثين وعلماء الرجال أكثر من ثلاثمائة من رجال البخاري فضعّفوهم, وأشار - بعد سرد أسمائهم - إلى حكاية الطعن والتنقيب عن سبب ضعفهم. (هدي الساري مقدمة فتح الباري, 382).

5- الباقلاني:

أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحّة حديث صلاة النبي (ص) على جنازة عبد الله بن أبي, واعتراض عم عليه ( ص) - الحديث الذي رواه الصحيحان -. وقال إمام الحرمين: لا يصحّحه أهل الحديث. وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أنّ هذا الخبر غير صحيح. وقال الداودي: هذا الحديث غير محفوظ. (فتح الباري, 8، 272).

6- ابن همام:

قال كمال الدين بن همام في شرح الهداية: وقوله من قال: أصحّ الأحاديث ما في الصحيحين ثم ّ ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم, ثم ما اشتمل على شرط أحدهما... تحكّم وباطل لا يجوز التقليد فيه. (أضواء على السنة المحمديّة, 312).

هذا الذي ذكرناه هو مجمل ما قاله شراح الصحيحين والسلف من العلماء حول الصحيحين ومؤلفيهما, ولو أردنا أن نستقصي كلّ ما قيل من النقد والقدح فيهما لاحتجنا في ذلك إلى كتاب مستقل وكبير.

 

 

 

هل يمكنك ذكر بعض الأحاديث الخطأ أو الموضوعة من صحيح البخاري؟

 

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أهل السنة يعتبرون صحيح البخاري صحيحاً, بكل ما فيه من أحاديث.

ونحن إذا أردنا تضعيف أحاديث البخاري, فإننا يمكننا ذلك من جهتين:

من جهة أن بعض الأحاديث ضعيفة سنداً ورجال ذلك الحديث مقدوح في بعضهم لكنهم يقبلون ذلك الحديث، بقولهم أن عند البخاري حديث آخر يدعم هذا الحديث من حيث الدلالة وهو صحيح السند , ووفق هذا القول سوف لا ينفع لو أتيتهم بألف حديث ضعيف سنداً لقالوا أن كل تلك الأحاديث من الشواهد والمتابعات, بمعنى أن لها أصلاً صحيح السند.

ويمكننا أيضاً القدح في بعض أحاديث البخاري من جهة الدلالة حيث أنها تتعارض مع أشياء يقطع بصحتها.

لذا نذكر لك نماذج من تلك الأحاديث المقدوح فيها:

1ـ أخرج البخاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله) فقد أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) وطعن في سنده، ثم قال والحديث منكر.

2ـ قال ابن حزم في (المحلى): ((ومن طريق البخاري... أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (ليكونن من أمتي قوم يستحلون الخز والخنزير والخمر والمعازف).

وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد ولا يصح في هذا الباب شيء أبداً وكل ما فيه موضوع)).

3ـ أخرج البخاري بسنده عن عروة: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب عائشة بنت أبي بكر، فقال له أبو بكر: انما أنا أخوك فقال : (أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال).

قال ابن حجر: ((قال مغلطاي : في صحة هذا الحديث نظر؛ لأن الخلة لأبي بكر أنما كانت بالمدينة وخطبة عائشة كانت بمكة فكيف يلتئم القول؟ انما أنا أخوك , وأيضاً فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما باشر الخطبة بنفسه)).

4ـ أخرج البخاري بسنده عن مسروق قال: ((أتيت ابن مسعود فقال: أن قريشاَ أبطؤا عن الإسلام فدعا عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام…)).

وطعن فيه ابن حجر والعيني والداودي والدمياطي, فقال: الدمياطي والعجب من البخاري كيف أورد هذا وكان مخالفاً لما رواه الثقات.

ودمتم في رعاية الله

 

أريد ولو سندا واحدا صحيحا عن أهل السنة لرواية نصب أحد الرواة الذي يأخذ عنه البخاري في أحاديثه الصحيحة

 

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن مسألة الرواية عن النواصب، لا بل توثيق النواصب بأعلى درجات التوثيق والتعديل هو أمر معروف عندهم مفروغ منه.

وها نحن ننقل لجنابكم ومن كتاب واحد بعض من ذكرهم إبن حجر العسقلاني في مقدمة (فتح الباري) في الباب الذي عقده لاجل بيان الرواة الذين طعن بهم وضعفوا وكان البخاري قد أخرج له في صحيحه.

فنقول وبالله التوفيق:

1ـ إسحاق بن سويد بن هبيرة العدوي وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وقال: كان يحمل على علي بن أبي طالب وذكره أبو العرب في الضعفاء فقال: من لم يحب الصحابة فليس بثقة ولا كرامة. قلت (ابن حجر) له عند البخاري حديث واحد في الصيام مقروناً بخالد الحذاء وروى له مسلم وأبو داود والنسائي.

2ـ بهز بن أسد العمي أبو الاسود البصري أحد الاثبات وقال يحيى القطان لعبد الرحمن بن بشر عليك ببهز بن أسد في حديث شعبة فإنه صدوق ثقة، وشذ الازدي فذكره في الضعفاء وقال: إنه كان يتحامل على علي. قلت (ابن حجر): إعتمده الائمة ولا يعتمد على الازدي.

3ـ ثور بن يزيد الحمصي أبو خالد اتفقوا على تثبته في الحديث مع قوله بالقدر، قال دحيم: ما رأيت أحداً يشك أنه قدري، وقال يحيى القطان: ما رأيت شامياً أثبت منه وكان الاوزعي وابن المبارك وغيرهما ينهون عن الكتابة عنه.. وكان يرمى بالنصب أيضاً، وقال يحيى بن معين كان يجالس قوماً ينالون من علي لكنه هو كان لا يسب (قلت): إحتج به الجماعة!!

4ـ حريز بن عثمان الحمصي مشهور من صغار التابعين وثقه أحمد وابن معين والأئمة لكن قال الفلاس وغيره: أنه كان ينتقص علياً وقال أبو حاتم لا أعلم بالشام أثبت منه ولم يصح عندي ما يقال عنه من النصب (قلت) (ابن حجر): جاء عنه ذلك من غير وجه (قوله من أكثر من وجه يريد به تقويته واثباته) وجاء عنه خلاف ذلك, وقال البخاري قال أبو اليمان كان حريز يتناول من رجل ثم ترك (قلت) فهذا أعدل الاقوال فلعله تاب(!!!) وقال ابن عدي: كان من ثقات الشاميين وإنما وضع منه بغضه لعلي وقال ابن حبان كان داعية إلى مذهبه يجتنب حديثه.قلت (ابن حجر): ليس له عند البخاري سوى حديثيين ... وروى له أصحاب السنن (الاربعة) اهـ.

نقول: هذا الرجل معلوم النصب والعداء والسب واللعن على المنبر لأمير المؤمنين(ع) فقد كان خطيب الشام ويقول على المنبر كما قال ابن حبان: كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة ويقول قتل آبائي وأجدادي، وفي رواية أنه يقول: لا أحب علياً قتل آبائي. بل يعتبر هذا الرجل من كبار النواصب لانه كان ينسب إليه بعض النواصب ويعرفون به كما قيل عن الجوزجاني الناصبي: كان حريزي المذهب. (انظر تهذيب التهذيب(1/159)، ترجمة الجوزجاني فلا ندري بعد ذلك لمَ التشكيك في نصبه وتبرئه ساحته وهو بهذه الشهرة في ذلك إلا التستر على من وثقه، وروى عنه كالبخاري وأحمد وابن معين، وتبرير وتمرير أخذ الدين عنه وعن النواصب، بل أثبت الازدي بأنه وضع حديثاً في ذم علي(ع) فأين وثاقته المزعومة!!؟ (راجع في ذلك أكثر: الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي وميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب وتهذيب الكمال والكامل في الضعفاء وسير أعلام النبلاء للذهبي).

5ـ حصين بن نمير الواسطي أبو محصن الضرير وثقه أبو زرعة وغيره... وقال أبو خيثمة كان يحمل على علي فلم أعد إليه. أخرج له البخاري واصحاب السنن إلا ابن ماجة.

6ـ عبد الله بن سالم الاشعري الحمصي وثقه النسائي والدار قطني وذمه أبو داود من جهة النصب وروى له البخاري حديثاً واحداً في المزارعة وعلق له غيره وروى له أبو داود!! والنسائي.

7ـ عكرمة مولى ابن عباس... فأما أقوال من وهاه فمدارها على ثلاثة أشياء على رميه بالكذب وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الامراء فهذه الأوجه الثلاثة: يدور عليها جميع ما طعن فيه الخ.

نقول: وكل واحدة من هذه الثلاثة قاصمة للظهر فكيف اذا اجتمعن!!؟ ويكفيه نصباً بأنه كان ينادي في السوق بأن آية التطهير نزلت في نساء النبي خاصة ويخالف بذلك إجماع الامة وروايات اسباب النزول كافة وغير ذلك من آرائه الشاذة.

8ـ عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي الخوارج وكان عمران داعية الى مذهبه وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي (عليه السلام) بتلك الابيات السائرة... روى له البخاري وأبو داود والنسائي.

9ـ قيس بن أبي حازم البجلي مخضرم أدرك الجاهلية وهاجر الى النبي(ص) فلم يلقه فلقي أبا بكر ومن بعده واحتج به الجماعة ويقال إنه كبر إلى أن خرف وقد بالغ ابن معين فقال: هو أوثق من الزهري وقال يعقوب بن شيبة تكلم أصحابنا فيه فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث شيبة وتكلم أصحابنا فيه فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد، ومنهم من حمل عليه وقال له أحاديث مناكير ومنهم من حمل عليه في مذهبه وأنه كان يحمل على علي. والمعروف عنه أنه كان يقدم عثمان ولذلك كان يجتنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه.

10ـ مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية إبن عم عثمان بن عفان يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه... وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى فأما قتل طلحة فكان متأولا فيه كما قرره الاسماعيلي وغيره وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميراً عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير مابدا ولله أعلم. وقد اعتمد مالك على حديثة ورأية والباقون سوى مسلم ومروان معروف لا يحتاج الى إثبات بغضه لاهل البيت وخصوصاً علي(ع) فكان يسبه ويلعنه على المنابر ومنع من دفن الامام الحسن(ع) عند رسول الله (ص) ورمى جثمانه الشريف بالسهام كعادته، وقد أكثر البخاري الرواية عنه.

11ـ الوليد بن كثير المخزومي أبو محمد المدني نزيل الكوفة .... عن أبي داود ثقة إلا أنه إباضي.

هذا غيض من فيض ممن روى لهم البخاري وقد صرحوا بأنه ناصبي أو خارجي مع وجود غيرهم في غير البخاري وكذلك فيمن لم يصرحوا بنصبه وهم كثيرون.

 

 

ما هو موقف الشيعة الامامية من الصحيحين البخاري ومسلم وكتب الحديث الاخرى

 

 

الجواب

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ان لتقييم صحيحي البخاري ومسلم مجالاً واسعاً ويحتاج الى بحث طويل، ولكن نذكر هنا بعض النقاط المسجلة عليهما وتشترك الصحاح الاخرى معها في بعضها:

1ـ ضعف بعض رجال الصحيحين وانهم غير موثقين في علم الرجال.

2ـ العصبية الشديدة التي تحلى بها مؤلفا الكتابين.

3ـ الفترة الزمنية الطويلة الممتدة بين زمن صدور الحديث وتاريخ تدوينه، مع النظر الى دواعي وأسباب الجعل والوضع.

4ـ تقطيع بعض الاحاديث عند البخاري تمشياً لذوقه ورأيه.

5ـ النقل بالمعنى، كما يلاحظ في صحيح البخاري.

6ـ تتميم وتكميل صحيح البخاري بواسطة الآخرين.

7ـ ملاحظة كثرة الاحاديث المخالفة للأدلة العقلية والدينية فيهما.

وللإطلاع على تفاصيل هذه النقاط راجع كتاب (أضواء على الصحيحين) للشيخ محمد صادق النجمي.

مع ملاحظة أن بعض علماء ومحققي أهل السنة يتفقون مع الامامية في هذا الرأي، بل بعضهم طعنوا في شخص البخاري ومسلم، ولكن أنى لاصواتهم أن تصل الى الاسماع تحت هذه الضوضاء المتعمدة!!

ويمكنك مراجعة كتيب (البخاري وصحيحه) للشيخ حسين غيب غلامي الموجود على صفحتنا، وأيضاً يفيدك الرجوع الى (كتاب نظرة عابرة الى الصحاح الستة) لعبد الصمد شاكر.

 

لو كان مافي الصحاح يكفي لاثبات الحجية فلماذا يغفل عنه أهل السنة

كل مولود يولد على ما عليه ...... فلو كنت مولودا من أبوين سنيين لكنت مقتنعا بما يقولوه أهل السنة. ولو أن الصحاح تتضمن إجابات واضحة تدعم المذهب الشيعي فلماذا يغفل عنها أهل السنّة بهذا الشكل الصارخ ؟

 

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ان الكثير من أهل السنة يغفلون عمّا في الصحاح من أحقية الحق لانهم يعتقدون بعدالة الصحابة جميعاً، ولان بعض الصحابة كانوا راضين بأفعال كبرائهم الذين سلبوا الحق عن أهله، فانحرفت الامه بانحراف بعض الصحابة وبقي التابعون واللاحقون والى يومنا هذا على جهلهم لا يكلف أحدهم نفسه بان يعرف بما في الصحاح، وبقي قسم منهم على تعصبه لا تطاوعه نفسه ان يتحول عن الباطل.

كما وان كل أهل الفرق مطلوب منهم البحث عن الحق ومعرفته واتباعه في الوقت الذي يمكن تمييز الحق من الباطل، ولا يبقى الباطل عن تعصبه للآباء حتى لو كانوا جاهلين، يقول تعالى (واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا اولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) [البقرة: 170].

 

 

إذا كان كما تزعم أن بعض الصحابة كانوا راضين بأفعال كبرائهم فأنت تتهم أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام قبل غيره من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين سواء رضيت أم لم ترضى فقد رضي الله عنهم . فإتق الله واعلم أن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك ستكون عنهم مسؤولا.

 

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه الكليات أو العمومات التي يحملها البعض في موضوع الصحابة وليدة التخدير الذي مارسه وعاظ السلاطين والجهل بالحقائق ، فليس الصحابة بمعصومين لتكون كل أفعالهم محل القبول والرضا , وليس الصحابة بشياطين لتكون كل أفعالهم محل الذم والقدح , فهناك من آمن وهاجر وجاهد في سبيل الله منهم بأمواله ونفسه , وهناك من كان دون هذه المرتبة , وايضاً كان هناك المنافقون الذين شهد القرآن بوجودهم في المدينة والذين قال عنهم للنبي (صلى الله عليه وآله ) : (( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم )) (التوبة:101).

وهذا التمايز بين واقع الصحابة لا يمكننا تجاوزه أو اغماض العين عنه وقد جاءت روايات الحوض-بالاضافة للآيات القرآنية الواردة في سورة التوبة - عن واقع الأصحاب وما ستؤول أمورهم إليه حتى أن النبي (صلى الله عليه وآله ) قال فيهم : ( فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم) كما في رواية البخاري (ج7/ ص 209/ كتاب الرقاق/ باب في الحوض)..

فلا يحق لنا حمل جميع أفعال الأصحاب من سب بعضهم لبعض، وقتال بعضهم للبعض , وتعطيل بعض الأحكام القرآنية أو النبوية والاجتهاد في مقابل النص , ونجعل كل ذلك فعلاً جميلاً حسناً منهم بلا دليل معتبر أو حجة دامغة سوى استفادات موهومة من عمومات لا ترقى الى واقع الاستدلال العلمي بمكان.

وقولكم ان رضا بعض الأصحاب بفعل كبرائهم دليل على رضا أمير المؤمنين (عليه السلام), بالأولوية لا وجه له , بل اننا نجد خلاف ذلك .

فعلى سبيل المثال نجد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ناهض أصحاب السقيفة ولم يبايع لأبي بكر مدة ستة أشهر - حسب رواية البخاري - ولم يبايع الا مضطرا بعد وفاة السيدة فاطمة (عليها السلام)! فأين هذا الفعل من حقيقة الرضا المدعاة له عن أفعال الأصحاب أو الكبراء كما تقول ؟!..

 

 

هل صحيح ان عمر بن سعد قاتل الامام الحسين (ع) من رجال الاحاديث عند اصحاب الصحاح؟.

 

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم، قد رووا عنه الكثير في صحاحهم و مسانيدهم , ووثقوه في كتب رجالهم. وهذا من أوضح الدلائل على ابتعاد خط السلف والمذاهب الأخرى عن أهل البيت(عليهم السلام).

وان تعجب فاعجب للبخاري حيث لم يرو أية رواية عن الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام). مع انه طفق الخافقين علماً و فقهاً وحكمة!!

وهذا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بين أظهرهم وهو يقول: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا).

 

 

ودمتم في رعاية الله

جميع الحقوق محفوظة لمركز الأبحاث العقائدية @ aqaed.com


http://www.alerfan.com/vb/showthread.php?t=55723

دراسات في حديث الثقلين و المناقشه في حديث كتاب اللّه وسنتّي

 

باسمه تعالى




 حديث الثقلين



 حديث الثقلين هذا حديث صحيح ، ثابت ، مشهور متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أخرجه الحفاظ وأئمة الحديث في الصحاح والمسانيد والسنن والمعاجم بطرق كثيرة صحيحة عن بضع وعشرين صحابيّاً منهم : علي بن أبي طالب ( ع ) وفاطمة ( س ) وزيد بن أرقم ، وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وزيد بن ثابت ، عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبو ذر وأبو هريرة وأم سلمة و . . .



 



 الموارد التي صدرت حديث الثقلين



 وقد صدع بها صلى الله عليه وآله في ملأ من الناس خمس مرات : 1 - عند انصرافه عن طائف . 2 - موقف يوم عرفة . 3 - موقف يوم غدير خم بالجحفة . 4 - موقف في المسجد بالمدينة . 5 - موقف في مرضه في الحجرة عندما رآها امتلأت من الناس .



 تكراره ( ص ) في ثلاثة أشهر خمس مرات يدلّ على شدّة اهتمامه ( ص ) بهذا الأمر وشغل باله .



 قال ابن حجر أيضاً بعد ذكر حديث الثقلين : ثم اعلم لحديث التمسك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيّاً . . . وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه . وفي أخرى أنّه قال ذلك بغدير خم ، وفي أخرى أنّه قال ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مرّ .



 ولا تنافي إذ لا مانع من أنّه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة .
الصواعق المحرقة : 124 ط المحمدية بمصر وص 75 ط الميمنية ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 285 ط اسلامبول وص 342 ط الحيدرية .



 



 يوم عرفة



 أخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد .
صحيح الترمذي : 5 / 326 رقم 3874 ، مجمع الزوائد : 5 / 195 ، و 9 / 163 تفسير ابن كثير : 4 / 123 . . . .



 



 يوم غدير خم



 أخرج النسائي عن زيد بن أرقم عن رسول اللّه ( ص ) فيحجة الوداع في غدير خم ، قال : كأنّي دعيت فأجبت ، وإني قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؟ فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .
سنن النسائي : 5 / 45 و5 / 130 . وذكره مسلم باختلاف في صحيحه : 7 / 122 ، كتاب الفضائل باب فضائل علي . وصرّح بصحّته ابن كثير في تفسيره : 4 / 122 .



 



 مسجد المدينة



 قال ( ص ) في آخر خطبة خطبها وهو مريض : أيّها الناس ، إني تارك فيكم الثقلين ، إنّه لن تعمى أبصاركم ولن تضلّ قلوبكم ولن تزلّ أقدامكم ولن تقصر أيديكم : كتاب اللّه سبب بينكم وبينه ، طرفه بيده وطرفه بأيديكم ، فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ، ألا وعترتي وأهل بيتي هو الثقل الآخر ، فلا تسبقوهم فتهلكوا .
كشف الاستار عن زوائد البزّاز : 3 / 221 ح 2612 ، تفسير البحر المحيط لأبي حيان : 1 / 12 .



 وعن جابر ، قال : أخذ النبي ( ص ) بيد علي والفضل بن عباس في مرض وفاته ، خرج يعتمد عليهما حتى جلس على المنبر فقال : أيها الناس ، تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . . .
ينابيع المودة : 1 / 125 ح 58 .



 



 في الحجرة وقد امتلأت بالناس برواية فاطمة سلام اللّه عليها



 قال القندوزي : أخرج ابن عقدة من طريق عروة بن خارجة عن فاطمة الزهراء ( س ) قالت : سمعت أبي رسول اللّه ( ص ) في مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من اصحابه ( قال ) : أيها الناس إني يوشك أن أقبض قبضا سريعا وقد قدمت إليكم القول معذرة منكم ، ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عزوجل ، وعترتي أهل بيتي ، ثم أخذ بيد علي ( ع ) فقال . هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فاسألكم ما تخلفوني فيهما .
ينابيع المودة : 1 / 124 ح 56 . عن ابن أبي شيبة فى سمط النجوم العوالي : 2 / 502 رقم 136 . عن أمّ سلمة في مرضه قالت : وقد امتلأت الحجرة بأصحابه في الصواعق : 89 ، تهذيب اللغة 9 / 78 ، مقتل الحسين للخوارزمى : 1 / 164 .



 



 حديث الثقلين بدون ذكر الزمان والمكان



 
أخرج ابن سعد المتوفى 230 ، في الطبقات بإسناده عن أبي سعيد الخدري .
الطبقات : 2 / 194 . وهكذا أخرجه باختلاف في اللفظ : ابن أبي شيبة المتوفى 235 ، في المصنف : 7 / 176 وأحمد المتوفى 241 ، في المسند : 3 / 14 و17 ، والدارمي المتوفى 255 ، في سننه : 2 / 432 ، ومسلم المتوفى 261 ، في صحيحه : 7 / 122 كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب . والترمذي المتوفى 279 ، في سننه : 5 / 329 ، كتاب المناقب وابن أبي عاصم المتوفى 287 ، في كتاب السنة : 630 ، والطبراني المتوفى 360 ، في المعجم الصغير : 1 / 131 والعجم الأسط : 3 / 374 ، والمعجم الكبير : 3 / 65 ، والحاكم المتوفى 405 ، في المستدرك على الصحيحين : 3 / 148 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأقرّ بصحته الذهبي في تلخيصه والقاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفى 415 ، في المجلد العشرين من كتاب المغني في الكلام ، في القسم الأول ص 191 و 236 .



 



 صحّة حديث الثقلين عند العلماء



 مضافاً إلى ورود الرواية في صحيح مسلم ولو مبتوراً وهو يكفي في صحّته ، قال ابن كثير مع تعصبّه ونصبه في تفسيره : وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول اللّه ( ص ) قال في خطبته بغدير خم « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتى وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض .
تفسير ابن كثير : 4 / 122 . وقال أيضاً : قال شيخنا أبو عبد اللّه الذهبي : وهذا حديث صحيح . السيرة النبويّة : 4 / 416 . والبداية والنهاية : 5 / 228 .



 وشهد بصحّته الشيخ ناصر الدين الألباني الوهّابي المتعصب المعاصر مع شدة نصبه وعداوته للشيعة الإماميّة .
صحيح الجامع الصغير 2 : 217 ح 2454 .



 وقال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات .
مجمع الزوائد : 1 / 170 ، وقال في موضع آخر : ورواه أحمد وإسناده جيّد . . مجمع الزوائد : 9 / 256 .



 وحكم بصحته ابن حجر المكي في كتابه الذي ألّفه ردّاً على الشيعة قائلاً : روى هذا الحديث ثلاثون صحابيّاً وإنّ كثيراً من طرقه صحيح وحسن .
الصواعق المحرقة : 122 .



 



 دلالة الحديث على الإمامة



 إنّ حديث الثقلين يدلّ على إمامة الأئمّة ( ع ) من جهات:



 1 - الأمر بالأخذ في قوله ( ص ) « ما إن أخذتم بهما لن تضلّوا » . كما في صحيح الترمذي : 5 / 228 ح 3874 ، مسند أحمد : 3 / 59 .



 2 - الأمر بالتمسّك في قوله ( ص ) : « ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » ، كما في صحيح الترمذي : 5 / 329 ح 3876 ، الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 7 ، تفسير ابن كثير ج 4 ص 123 .



 3 - الأمر بالمتابعة في قوله ( ص ) « لن تضلّوا إن اتبعتم واستمسكتم بهما » أو « لن تضلّوا إن اتبعتموها » . مسند أحمد : 1 / 118 ، المستدرك : 3 / 110 وقال صحيح على شرط الشيخين .



 4 - الأمر بالاعتصام في قوله ( ص ) : « تركت فيكم ما لن تضلّوا إن اعتصمتم ، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » عن ابن أبي شيبة والخطيب في المتفق والمفترق . كنز العمال : 1 / 187 ح 951 .



 ومعلوم بأنّ الأخذ والتمسك والمتابعة والاعتصام لا يلائم إلّا مع القول بإمامتهم ووجوب تلقي الإسلام والقرآن منهم والاقتداء بهم وإطاعة أوامرهم ونواهيهم .



 كما صرّح ابن الملك بقوله : التمسك بالكتاب العمل بمافيه وهو الإئتمار بأوامر اللّه والانتهاء بنواهيه . ومعنى التمسك بالعترة : محبّتهم والاهتداء بهداهم وسيرتهم .
المرقاة في شرح المشكاة : 5 / 600 .



 قال المُناوي : قوله : « إنّي تارك فيكم » تلويح بل تصريح بأنّهما كتوأمين خلّفهما ووصّى أمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين .
فيض القدير : 2 / 174 .



 وقال التفتازاني بعد نقل حديث صحيح مسلم : ألاترى أنّه عليه الصلاة والسلام قرنهم بكتاب اللّه تعالى في كون التمسك بهما منقذاً عن الضلالة ، ولا معنى للتمسك بالكتاب إلّا الأخذ بما فيه من العلم والهداية فكذا في العترة .
شرح المقاصد : 2 / 221 .



 5 - قوله ( ص ) « لايفترقان حتى يردا عليّ الحوض » يدلّ على كون العترة حجّة كالقرآن في جميع الأزمنة والأمكنة والأحوال إلى يوم القيامة . والحجّة لا تكون إلّا بكونهم أئمّة . وعدم الافتراق يتمّ بالأخذ بقولهم والاهتداء بهدايتهم من دون أن يشترط بشروط ويقيّد بقيود وهو لا يمكن إلّا بالقول بكونهم أئمّة .



 6 - قوله ( ص ) « لن تضلّوا » يدلّ على انحصار النجاة بالتمسّك بالعترة وضلالة من افترق عنهم ، كضلالة من افترق عن كلام اللّه .



 7 - التعبير عن الثقلين بخليفتين في بعض الأحاديث ، مّما يؤيّد أنّ مراد النبي ( ص ) عن الوصيّة بالثقلين ، كونهم أئمّة وخلفاء ، كما روى أحمد بإسناده عن زيد بن ثابت قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي وأهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » . مسند أحمد : 5 / 182 و189 مجمع الزوائد : 1 / 170 ، قائلاً : ورجاله ثقات . الدر المنثور : 2 / 60 .



 



 المناقشات والشبهات في حديث الثقلين



 ذكر أبو الفرج ابن الجوزي ، حديث الثقلين بسند واحد في كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ثمّ بدء بالمناقشة في سنده وتضعيفه .
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية : 1 / 268 ، دار الكتب العلمية - بيروت - 1403 ه' .



 وهذا مردود بامور :



 1 - عدم اعتبار تضعيفات ابن الجوزي :



 قد صرّح عدّة من العلماء بعد اعتبار تضعيفات ابن الجوزى كما قال السيوطي : وقد جمع في ذلك ابن الجونزى كتاباً فأكثر فيه من إخراج الضعيف الذي لم ينحط إلى رتبة الوضع ؛ بل ومن الحسن ومن الصحيح ، كما نبّه بذلك الأئمّة الحفّاظ ومنهم ابن الصلاح في علوم الحديث وأتباعه .
اللآلي المصنوعة 1 / 2 .



 وقال ابن كثير : وقد صنّف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات ، غير أنّه أدخل فيه ما ليس منه وأخرج عنه ما كان يلزمه ذكره ، فسقط عليه ولم يهتد إليه .
الباعث الحثيث : 75 .



 قال ابن حجر العسقلاني : فكيف يدّعي الوضع على الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم؟ ولو فتح هذا الباب لأدّعي في كثير من الأحاديث الصحيحة البطلان ، ولكن يأبى اللّه ذلك والمؤمنون .
اللآلي المصنوعة : 1 / 350 .



 2 - حكم العلماء على خطأ ابن الجوزي :



 وقد خطّأه غير واحد من المحقّقين في ذكر هذا الحديث في علله ، كابن حجر المكّي ، حيث قال : وذكرُ ابن الجوزي لذلك في العلل المتناهية وهم ، أو غفلة عن استحضار بقيّة طرقه ؛ بل في مسلم عن زيد بن أرقم .
الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 124 ط المحمدية بمصر .



 وذكر عن السخاوي بأنّه قال : لم يصب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية كيف وفى صحيح مسلم وغيره ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابيّاً .
الصواعق المحرقة : 136 .



 وقال المُناوي : ووهم من زعم وَضْعَه كابن الجوزي قال السمهودي : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة .
فيض القدير : 3 / 20 . وقال أيضاً : فإيّاك أن تغترّ به وكأنّه لم يستحضره حينئذ . جواهر العقدين في الذكر الرابع في حثّه ( ص ) الامّة على التمسك بعده بكتاب ربّهم وأهل بيت نبيّهم .



 وقال سبطه : والعجب كيف خفي عن جدّي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيدبنأرقم .
تذكرة الخواص : 332 .



 



 حديث الوصية بالكتاب والسنة



 إنّ أقدم روات هذا الخبر هو : مالك بن أنس ( ت 179 ) في الموطأ : وحدّثني عن مالك أنّه بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه [ وآله ] وسلم قال : « تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ، كتاب اللّه وسنة نبيه »
الموطأ بشرح السيوطي 2 / 208 .



 وذكر ابن هشام ( ت 218 ) في
سيرته : 4 / 603 .



 وأخرج الحاكم النيسابوري ( ت 405 ) .
المستدرك على الصحيحين 1 / 93 . ورواه أبو بكر البيهقي ( ت 458 ) في السنن الكبرى 10 / 114 . وقال القاضي عياض ( المتوفى سنة 544 ) : . . . عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه [ وآله ] وسلم : « أيها الناس ، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه وسنّتي ، فلا تفسدوه ، وإنّه لا تعمى أبصاركم ولن تزل أقدامكم ، ولن تقصر أيديكم ، ما أخذتم بهما » . الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع : 8 - 9 .



 



 المناقشة في الحديث



 هذا الخبر مما أعرض عنه البخاري ومسلم ولم يخرجاه في كتابيهما المعروفين بالصحيحين ، وكم من حديث صحيح سندا لم يأخذ القوم به معتذرين باتفاق الشيخين على تركه !



 2 - إنّه خبر غير مخرج في شئ من سائر الكتب المعروفة عندهم بالصحاح ، فهو خبر اتفق أرباب الصحاح الستة وغيرهم على تركه !



 3 - إنّه خبر غير مخرج في شئ من المسانيد المعتبرة كمسند أحمد بن حنبل ، وقد نقلوا عن أحمد أن ما ليس في المسند فليس بصحيح !



 4 - إنّه قد صرّح غير واحد من رواة هذا الخبر بغرابته ، قال الحاكم : ذكر الاعتصام بالسنة في هذه الخطبة غريب . المستدرك : 1 / 93 .



 وقد قال بعد ذكر الحديث المشتمل على الاعتصام بالعترة : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله . شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما إلى أن قال : قال رسول اللّه ( ص ) : إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعوهما وهما كتاب اللّه وأهل بيتي عترتي . . . وحديث بريدة الأسلمي صحيح على شرط الشيخين .
المستدرك على الصحيحين : 3 / 109 . قال المتقي : أبو نصر السجزي في الإبانة وقال : غريب جدّاً عن أبي هريرة . كنز العمال : 1 / 188 ح955 . وهكذا الحاكم في المستدرك : 1 / 188 ح 955 .



 



 البحث في نفس كتاب الموطأ ومالك



 وقال السيوطي : قال ابن حزم : . . . في الموطأ ثلاثمائة ونيف مرسلاً ، وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها ، وفيه أحاديث ضعيفة وهاها جمهور العلماء .
تنوير الحوالك : 1 / 9 .



 قال الخطيب في مالك : عابه جماعة من أهل العلم في زمانه .
تاريخ بغداد : 10 / 223 ، راجع : جامع بيان العلم : 2 / 157 ، تهذيب التهذيب : 7 / 432 . عدّه المبرّد عن الخوارج وقال : يذكر عثمان وعلي وطلحة والزبير فيقول : واللّه ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر . الكامل للمبرّد : 1 / 159 . قد قال الليث بن سعد : قد أحصيت على مالك سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة النبي مما قال مالك فيها برأيه . جامع بيان العلم 2 / 148 .



 وفي سند الخبر في المستدرك والسنن عن ابن عباس ، هو : على إسماعيل بن أبي أويس وهو ابن أخت مالك . قال النسائي : ضعيف .
الضعفاء والمتروكون : 14 .



 وقال المروزي : كذّاب ، وروى ابن حزم سيف بن محمد : أنّ ابن أبي أويس كان يضع الحديث .
تهذيب التهذيب : 1 / 271 .



 وفي سند الخبر عن أبي هريرة : صالح بن موسى الطلحي الكوفي . قال ابن معين : ليس بشئ ، ليس بثقة . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث جدّاً ، كثير المناكير عن الثقات . وقال البخاري : منكر الحديث .
تهذيب التهذيب : 4 / 354 .



 وفي سند الحديث في التمهيد لابن عبد البر ، كثير بن عبد اللّه ، قال أحمد : منكر الحديث ، ليس بشئ . سئل أبو داود عنه فقال : أحد الكذّابين . قال ابن عبد البر : ضعيف ، بل ذكر أنّه مجمع على ضعفه .
تهذيب التهذيب : 8 / 377 .



 



 عدم تعارض حديث الثقلين مع السنّة



 قد جمع ابن حجر بينهما في صواعقه قائلاً : « وفي رواية كتاب اللّه وسنّتي وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب ؛ لأنّ السنة مبنيّة له ، فأغنى ذكره عن ذكرها ، والحاصل أنّ الحثّ وقع على التمسّك بالكتاب وبالسنّة وبالعلماء بهما من أهل البيت ، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة » .
الصواعق المحرقة ص 148 .



 وبعبارة اخرى : إنّ ذكر أهل البيت هو ذكر السنة ؛ لأنّ كلّ ما عندهم مأخوذ بواسطة النبي ، أي بواسطة السنة ، ويؤيّده ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله لعلي عندما سأله : « ما أرث منك يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله : ما ورّث الأنبياء من قبل : كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم » .
تاريخ دمشق : 21 / 415 ، 42 / 53 ، المناقب للخوارزمي : 152 .



 قال ابن أبي الحديد : ( قال عمر بن الخطاب لابن عباس ) : إن أحراهم أن يحملهم على كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم لصاحبك ، واللّه لئن وليها ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم .
شرح نهج البلاغة ج 6 ص 327 .



 وقال في موضع آخر : أجرؤهم والله إن وليها أن يحملهم على كتاب ربهم وسنّة نبيهم لصاحبك ! أما إن ولى أمرهم حملهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم .
شرح نهج البلاغة : 12 / 52 . وإن أبيت عن الجمع بينهما وقلت بتمامية المعارضة فلايكون لتقديم « وسنّتى » على « وعترتى » وجه . لأنّ حديث التمسك بالثقلين متواتر من جميع طبقاته وشهد بصحّته جمع من الأعلام ، بينما نرى الحديث الآخر لا يتجاوز في اعتباره عن كونه من أحاديث الآحاد . راجع : الاصول العامّة للفقه المقارن : 169





ابو مهدي القزويني

http://www.valiasr-aj.com/fa/page.php?bank=maghalat&id=12

 

حديث الثقلين



بسم الله الرحمن الرحيم‏


 


قال‌ ابن‌ تيميّة‌: قول‌ الحلي‌ في‌ حديث‌ الثقلين، فهذا رواه‌ الترمذي. وقد سُئل‌ عنه‌ احمد بن‌ حنبل‌ فضعّفه‌، وضعّفه‌ غير واحد من‌ أهل‌ العلم‌ وقالوا: لا يصح‌، وقد أجاب‌ عنه‌ طائفة‌ بما يدل‌ علي‌ أنّ اهل‌ بيته‌ كلّهم‌ لا يجتمعون‌ علي‌ ضلالة‌، قالوا: ونحن‌ نقول‌ بذلك‌، كما ذكر ذلك‌ القاضي‌ أبو يعلي‌ وغيره. لكن‌ أهل‌ البيت‌ لم‌ يتفقوا ـ ولله الحمد ـ علي‌ شي‌ء من‌ خصائص‌ مذهب‌ الرافضة‌ بل‌ هم‌ المبرؤون‌ المنزهون‌ عن‌ التدنس‌ بشي‌ء منه. ( منهاج‌ السنة‌: 7/394، الانتصار للصحب‌ لاءبراهيم‌ بن‌ عامر الرحيلي‌ : 556 ) . والذي‌ رواه‌ مسلم‌ أنه‌ بغدير خم‌ قال‌: إني‌ تارك‌ فيكم‌ الثقلين‌ كتاب‌ الله، فذكر كتاب‌ الله وحضّ عليه‌ ثمّ قال‌: وعترتي‌ أهل‌ بيتي‌، أذكركم‌ الله في‌ أهل‌ بيتي‌، ثلاثاً، وهذا ممّا أنفرد به‌ مسلم‌ ولم‌ يروه‌ البخاري. وقد رواه‌ (أي‌ حديث‌ الثقلين‌) الترمذي‌ وزاد فيه‌: وإنّهما لن‌ يفترقا حتي‌ يردا علي‌َّ الحوض. وقد طعن‌ غير واحد من‌ الحفاظ‌ في‌ هذه‌ الزيادة‌، وقال‌: إنّها ليست‌ من‌ الحديث... ( منهاج‌ السنة‌: 7/317، فصل‌ الخطاب‌ للغرسي‌: 96 ) . وفي‌ كلامه‌ عدّة‌ نقاط‌ فلابدّ أن‌ يبحث‌ فيها:

1 ـ عدم‌ نقل‌ البخاري‌ للحديث‌

2 ـ تضعيف‌ السند .

3 ـ بأنّ العترة‌ هم‌ بنو هاشم.

4 ـ عدم‌ دلالة‌ حديث‌ الثقلين‌ علي‌ الامامة‌

5 ـ عدم‌ الوصيّة‌ بالعترة‌ في‌ حديث‌ مسلم‌




1 ـ عدم‌ نقل‌ البخاري‌ للحديث‌

أقول‌: قوله‌: «وهذا ممّا أنفرد به‌ مسلم‌ ولم‌ يروه‌ البخاري‌» فباطل‌؛ لانّ ترك‌ البخاري‌ أومسلم‌ حديثاً لايدلّ علي‌ عدم‌ صحّته‌؛ لانّه‌ كم‌ من‌ حديث‌ صحيح‌ أو متواتر لم‌ يذكرهما مع‌ روايته‌ غيرهما من‌ المحدّثين‌ وأهل‌ السيرة‌، وقد ذكر في‌ مستدرك‌ الصحيحين‌ مآت‌ من‌ الاحاديث‌ الصحيحة‌ التي‌ توفّرت‌ فيها شروط‌ الشيخين‌ ولكن‌ لم‌ يخرجاه‌ لا سيّما إذا كان‌ الرواية‌ حجّة‌ عليهم. كما في‌ قول‌ علي‌ (ع‌) : «أنا الصديق‌ الاكبر صليّت‌ قبل‌ الناس‌ سبع‌ سنين‌ لا يقولها بعدي‌ إلاّ كاذب.» رواه‌ في‌ سنن‌ ابن‌ ماجة‌ بتحقيق‌ محمد فؤاد عبد الباقي‌ ثمّ قال‌: في‌ الزوائد: هذا إسناد صحيح‌، رجاله‌ ثقات. ورواه‌ الحاكم‌ في‌ المستدرك‌ عن‌ المنهال‌ وقال‌: صحيح‌ علي‌ شرط‌ الشيخين‌ ولم‌ يخرجاه. سنن‌ ابن‌ ماجة‌: 1/44 . ولكن‌ مع‌ الاسف‌ لايوجد هذا التصحيح‌ في‌ المستدرك‌ المطبوع.
راجع‌ المستدرك‌: 3/111. ورواه‌ أيضاً في‌ تهذيب‌ الكمال‌: 22/514. خصائص‌ النسائي‌:46، المصنف‌ لابن‌ أبي‌ شيبة‌: 7/498 ح21. وقول‌ رسول‌ اللّه‌(ص‌) «إنّ منكم‌ يقاتل‌ علي‌ تأويل‌ القرآن‌ كما قاتلت‌ علي‌ تنزيله... قال‌ أبو بكر أنا هو؟ قال‌: لا. قال‌ عمر: أنا هو؟ قال‌: لا. ولكن‌ خاصف‌ النعل‌ يعني‌ عليّاً، فأتيناه‌ فبشرّناه‌ فلم‌ يرفع‌ به‌ رأسه‌ كأنّه‌ قد كان‌ سمعه‌ من‌ رسول‌ اللّه‌ صلي‌ اللّه‌ عليه‌ وسلم‌. هذا حديث‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ الشيخين‌ ولم‌ يخرجاه. المستدرك‌: 3/122. وهكذا بعد نقل‌ قول‌ رسول‌ اللّه‌ صلي‌ اللّه‌ عليه‌ وسلم‌: من‌ كنت‌ مولاه‌ فعلي‌ مولاه. قال‌: وحديث‌ بردة‌ الاسلمي‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ الصحيحين. المستدرك‌: 3/110. ... وإن‌ وليتموها عليّاً فهاد مهتد يقيمكم‌ علي‌ صراط‌ مستقيم. هذا حديث‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ الشيخين‌ ولم‌ يخرجاه. المستدرك‌: 3/142. ومن‌ جملة‌ هذه‌ الروايات‌ هي‌ رواية‌ الثقلين‌، ذكره‌ الحاكم‌ ثمّ قال‌: هذا حديث‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ الشيخين‌ ولم‌ يخرجاه‌ بطوله‌، شاهده‌ حديث‌ سلمة‌ بن‌ كهيل‌ عن‌ أبي‌ الطفيل‌ أيضاً صحيح‌ علي‌ شرطهما. المستدرك‌: 3/110 وهكذا في‌ 148. مضافاً إلي‌ أنّهم‌ لو اكتفي‌ بما جاء في‌ الصحيحين‌ لا يمكنهم‌ استنباط‌ عشر من‌ أعشار الفروعات‌ الفقهيّة.







2 ـ تضعيف‌ سند الرواية‌

أمّا قوله‌: «سُئل‌ عنه‌ أحمد بن‌ حنبل‌ فضعّفه‌، وضعّفه‌ غير واحد من‌ أهل‌ العلم‌ وقالوا: لا يصحّ.
منهاج‌ السنة‌: 7/394. فالظاهر أنّ نسبة‌ هذا القول‌ علي‌ أحمد بن‌ حنبل‌ وأهل‌ العلم‌ غير صحيحة‌؛ لانّه‌ لم‌ يذكر لقوله‌ مصدر ولم‌ يسمّ ولو واحداً من‌ أهل‌ العلم‌ حتيّ يراجع‌ فيعلم‌ كذبه‌ وصدقه‌، ويؤيّد ذلك‌ بأنّ كل‌ أتي‌ من‌ أتباع‌ ابن‌ تيميّة‌ نقلوه‌ عنه‌ من‌ دون‌ ذكر أيّ مصدر لقول‌ أحمد بن‌ حنبل‌ وغيره‌، كإبراهيم‌ بن‌ عامر الرحيلي‌ في‌ كتابه‌: الانتصار للصحب‌: 556، وعلي‌ السالوس‌، في‌ كتابه‌: مع‌ الشيعة‌ الاثني‌ عشرية‌: 1/128، وناصر الشيخ‌، في‌ عقيدة‌ أهل‌ السنّة‌: 2/597. فهذا الكلام‌ غريب‌ جدّاً بحيث‌ لا يري‌ المتتبّع‌ بأنّ أحمد نقل‌ هذا الحديث‌ في‌ مسنده‌ و فضائل‌ الصحابة‌ بطرق‌ عديدة‌ وأسانيد متعددة‌، عن‌ زيد بن‌ أرقم‌ وزيد بن‌ ثابت‌، وأبي‌ سعيد الخدري‌، فهو أدلّ دليل‌ علي‌ كذب‌ هذه‌ النسبة‌ وافترائها. بل‌ ذكر الهيثمي‌ حديث‌ الثقلين‌، ثمّ قال‌: ورواه‌ أحمد وإسناده‌ جيّد. مجمع‌ الزوائد: 9/162 ، وهكذا روي‌ عن‌ الطبراني‌ بنفس‌ سند أحمد قائلاً: ورواه‌ الطبراني‌ في‌ الكبير ورجاله‌ ثقات. مجمع‌ الزوائد: 1/170 . نعم‌، ذكر أبو الفرج‌ ابن‌ الجوزي‌، حديث‌ الثقلين‌ بسند واحد في‌ كتاب‌ العلل‌ المتناهية‌ في‌ الاحاديث‌ الواهية‌ ثمّ بدء بالمناقشة‌ في‌ سنده‌ وتضعيفه. العلل‌ المتناهية‌ في‌ الاحاديث‌ الواهية‌: 1/ 268، دار الكتب‌ العلمية‌ - بيروت‌ - 1403 ه . وهذا مردود بامور:



1 ـ عدم‌ اعتبار تضعيفات‌ ابن‌ الجوزي‌: قد صرّح‌ عدّة‌ من‌ العلماء بعد اعتبار تضعيفات‌ ابن‌ الجوزي‌ كما قال‌ السيوطي‌: وقد جمع‌ في‌ ذلك‌ الحافظ‌ أبو الفرج‌ ابن‌ الجونزي‌ كتاباً فأكثر فيه‌ من‌ إخراج‌ الضعيف‌ الذي‌ لم‌ ينحط‌ إلي‌ ربتة‌ الوضع‌؛ بل‌ ومن‌ الحسن‌ ومن‌ الصحيح‌، كما نبّه‌ بذلك‌ الائمّة‌ الحفّاظ‌ ومنهم‌ ابن‌ الصلاح‌ في‌ علوم‌ الحديث‌ وأتباعه.
اللا´لي‌ المصنوعة‌ 1/2. وقال‌ ابن‌ كثير: وقد صنّف‌ الشيخ‌ أبو الفرج‌ ابن‌ الجوزي‌ كتاباً حافلاً في‌ الموضوعات‌، غير أنّه‌ أدخل‌ فيه‌ ما ليس‌ منه‌ وأخرج‌ عنه‌ ما كان‌ يلزمه‌ ذكره‌، فسقط‌ عليه‌ ولم‌ يهتد إليه. الباعث‌ الحثيث‌: 75. قال‌ ابن‌ حجر العسقلاني‌: بعد إثبات‌ حديث‌ سدّ الابواب‌ إلاّ باب‌ علي‌ عليه‌ السلام‌: وقد أورد ابن‌ الجوزي‌ هذا الحديث‌ في‌ الموضوعات... وأعلّه‌ ببعض‌ من‌ تكلّم‌ فيه‌ من‌ رواته‌ وليس‌ بقادح‌ لما ذكرت‌ من‌ كثرة‌ الطرق‌ وأعلّه‌ أيضاً بأنّه‌ مخالف‌ للاحاديث‌ الصحيحة‌ الثابتة‌ في‌ باب‌ أبي‌ بكر وزعم‌ أنّه‌ من‌ وضع‌ الرافضة‌ قابلوا به‌ الحديث‌ الصحيح‌ في‌ باب‌ أبي‌ بكر ـ إلي‌ أن‌ قال‌ ـ : قول‌ ابن‌ الجوزي‌ في‌ هذا الحديث‌ إنّه‌ باطل‌ وإنّه‌ موضوع‌ دعوي‌ لم‌ يستدلّ عليها إلاّ بمخالفة‌ الحديث‌ الذي‌ في‌ الصحيحين‌ وهذا اقدام‌ علي‌ ردّ الاحاديث‌ الصحيحة‌ بمجرّد التوهم. القول‌ المسدّد في‌ الذب‌ عن‌ مسند أحمد: 19. يراجع‌ أيضاً نفحات‌ الازهار: 11/121 وقال‌ أيضاً: فيكف‌ يدّعي‌ الوضع‌ علي‌ الاحاديث‌ الصحيحة‌ بمجرد التوهم‌؟ ولو فتح‌ هذا الباب‌ لادّعي‌ في‌ كثير من‌ الاحاديث‌ الصحيحة‌ البطلان‌، ولكن‌ يأبي‌ اللّه‌ ذلك‌ والمؤمنون. القول‌ المسدد: 24، واللا´لي‌ المصنوعة‌: 1/350.



2 ـ حكم‌ المحققين‌ من‌ العلماء علي‌ خطأ ابن‌ الجوزي‌: وقد خطّأه‌ غير واحد من‌ المحقّقين‌ في‌ ذكر هذا الحديث‌ في‌ علله‌، كابن‌ حجر المكّي‌، حيث‌ قال‌: وذكرُ ابن‌ الجوزي‌ لذلك‌ في‌ العلل‌ المتناهية‌ وهم‌، أو غفلة‌ عن‌ استحضار بقيّة‌ طرقه‌؛ بل‌ في‌ مسلم‌ عن‌ زيد بن‌ أرقم.
الصواعق‌ المحرقة‌ لابن‌ حجر الشافعي‌ ص‌ 124 ط‌ المحمدية‌ بمصر. وذكر عن‌ السخاوي‌ بأنّه‌ قال‌: لم‌ يصب‌ ابن‌ الجوزي‌ في‌ إيراده‌ في‌ العلل‌ المتناهية‌ كيف‌ وفي‌ صحيح‌ مسلم‌ وغيره‌ ولهذا الحديث‌ طرق‌ كثيرة‌ عن‌ بضع‌ وعشرين‌ صحابيّاً. الصواعق‌ المحرقة‌: 136. وقال‌ المنّاوي‌: ووهم‌ من‌ زعم‌ وَضْعَه‌ كابن‌ الجوزي‌ قال‌ السمهودي‌: وفي‌ الباب‌ ما يزيد علي‌ عشرين‌ من‌ الصحابة. فيض‌ القدير: 3/20. وهكذا سبطه‌ قال‌: والعجب‌ كيف‌ خفي‌ عن‌ جدّي‌ ما روي‌ مسلم‌ في‌ صحيحه‌ من‌ حديث‌ زيد بن‌ أرقم. تذكرة‌ الخواص‌: 332، الباب‌ الثاني‌ عشر. وقريب‌ منه‌ عن‌ السخاوي. استجلاب‌ إرتقاء الغرف‌: 83، والحافظ‌ السمهودي‌ فإيّاك‌ أن‌ تغترّ به‌ وكأنّه‌ لم‌ يستحضره‌ حينئذ. جواهر العقدين‌ في‌ الذكر الرابع‌ في‌ حثّه‌ صلي‌ اللّه‌ عليه‌ وسلم‌الامّة‌ علي‌ التمسك‌ بعده‌ بكتاب‌ ربّهم‌ وأهل‌ بيت‌ نبيّهم.





2 ـ ورود الرواية‌ في‌ صحيح‌ مسلم‌ ولو مبتوراً. 3 ـ ورودها في‌ كثير من‌ الجوامع‌ الروائيّة‌ مع‌ تصريح‌ عدّة‌ من‌ العلماء علي‌ صحته.



3 ـ صحّة‌ حديث‌ الثقلين‌ عند العلماء: ويكفي‌ في‌ صحّة‌ الحديث‌ ما قال‌ ابن‌ كثير مع‌ تعصبّه‌ ونصبه‌ في‌ تفسيره‌: وقد ثبت‌ في‌ الصحيح‌ أنّ رسول‌ اللّه‌ (ص‌) قال‌ في‌ خطبته‌ بغدير خم‌ «إنّي‌ تارك‌ فيكم‌ الثقلين‌ كتاب‌ اللّه‌ وعترتي‌ وإنّهما لم‌ يفترقا حتّي‌ يردا علي‌ّ الحوض‌
. تفسير ابن‌ كثير: 4/122. ونقل‌ القول‌ بصحته‌ عن‌ الذهبي‌ الذي‌ فيه‌ هوي‌ ابن‌ تيميّة‌ حيث‌ قال‌: قال‌ شيخنا أبو عبد اللّه‌ الذهبي‌: وهذا حديث‌ صحيح. السيرة‌ النبويّة‌: 4/416. والبداية‌ والنهاية‌ في‌ 5/228 ط. دار إحياء التراث‌ العربي‌ ـ بيروت. وشهد بصحّته‌ الشيخ‌ ناصر الدين‌ الألباني‌ الوهّابي‌ المتعصب‌ المعاصر مع‌ شدة‌ نصبه‌ وعداوته‌ للشيعة‌ الاءماميّة. صحيح‌ الجامع‌ الصغير 2:217 ح‌ 2454. وقال‌ الهيثمي‌: رواه‌ الطبراني‌ في‌ الكبير ورجاله‌ ثقات. مجمع‌ الزوائد: 1/170 ، وقال‌ في‌ موضع‌ آخر: ورواه‌ أحمد وإسناده‌ جيّد. . مجمع‌ الزوائد: 9/256. وحكم‌ بصحته‌ ابن‌ حجر المكي‌ في‌ كتابه‌ الذي‌ ألّفه‌ردّاً علي‌ الشيعة‌ قائلاً: روي‌ هذا الحديث‌ ثلاثون‌ صحابيّاً وإنّ كثيراً من‌ طرقه‌ صحيح‌ وحسن. الصواعق‌ المحرقة‌: 122.



4 ـ تكرار حديث‌ الثقلين‌ في‌ مواطن‌ كثيرة‌ قد تكرر الوصيّة‌ بالكتاب‌ والعترة‌ من‌ طرق‌ كثيرة‌ نقلت‌ عن‌ نيف‌ وعشرين‌ صحابيّاً في‌ عدّة‌ مواطن‌، كحجّة‌ الوداع‌ بعرفة‌ وبالمدينة‌ في‌ مرضه‌ ، وقد امتلات‌ الحجرة‌ بأصحابه‌ . وبغدير خم‌ ، وبعد انصرافه‌ من‌ الطائف‌ كما شهد به‌ ابن‌ حجر المكي‌ الشافعي‌ في‌ صواعقه‌ الذي‌ ألّفه‌ ردّاً علي‌ الشيعة. ثمّ قال‌: وكلّ ذلك‌ يدلّ علي‌ اهتمام‌ الرسول‌ بشأن‌ الكتاب‌ العزيز والعترة‌ الطاهرة‌
. الصواعق‌ المحرقة‌ لابن‌ حجر الشافعي‌ ص‌ 124 ط‌ المحمدية‌ بمصر وص‌ 75 ط‌ الميمنية.





3 ـ المراد من‌ العترة‌ هو بنو هاشم‌

أمّا قوله‌ تارة‌ بأنّ «مجموع‌ العترة‌ الذين‌ هم‌ بنو هاشم‌ لا يتّفقون‌ علي‌ ضلالة‌» واخري‌: «لكن‌ أهل‌ البيت‌ لم‌ يتفقوا ـ ولله الحمد ـ علي‌ شي‌ء من‌ خصائص‌ مذهب‌ الرافضة‌» . وقلّده‌ في‌ ذلك‌ بعض‌ أذنابه‌ كعثمان‌ الخميس‌ بقوله‌: وعترة‌ النبي‌ صلي‌ اللّه‌ عليه‌ وسلم‌، هم‌ كلّ من‌ حرمت‌ عليه‌ الزكاة‌ وهم‌ بنو هاشم‌، هؤلاء هم‌ عترة‌ النبي‌ صلي‌ اللّه‌ عليه‌ وسلم.
حقبة‌ من‌ التاريخ‌: 203، فهذا أيضاً باطل‌ في‌ باطل‌ لانّ المراد من‌ أهل‌ البيت‌ هم‌ الذين‌ نزلت‌ فيهم‌ آية‌ التطهير لا غير. كما ورد عن‌ أمّ سلمة‌، أنّ النبي‌ صلي‌ الله‌ عليه‌ وسلم‌ جلل‌ علي‌ الحسن‌ والحسين‌ وعلي‌ وفاطمة‌ كساء ثمّ قال‌ : «اللهم‌ هولاء أهل‌ بيتي‌ وحامتي‌ ؛ أذهب‌ عنهم‌ الرجس‌ وطهرهم‌ تطهيراً» . فقالت‌ أم‌ سلمة‌ : وأنا معهم‌ يارسول‌ الله‌ ؟ قال‌: إنّك‌ علي‌ خير. هذا حديث‌ حسن‌ صحيح‌ . وهو أحسن‌ شي‌ روي‌ في‌ هذا الباب‌ . سنن‌ الترمذي‌ ج‌ 5 ص‌ 361. رواه‌ الحاكم‌ قائلاً: هذا حديث‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ البخاري‌ ولم‌ يخرجاه. المستدرك‌ ج‌ 2 ص‌ 416. وقال‌ في‌ في‌ موضع‌ آخر: هذا حديث‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ مسلم‌ ولم‌ يخرجاه. ج‌ 2 ص‌ 416. وفي‌ موضع‌ ثالث‌: هذا حديث‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ البخاري‌ ولم‌ يخرجاه‌ . المستدرك‌ ج‌ 3 ص‌ 146. نساؤه‌ ليس‌ من‌ أهل‌ بيته‌







كما ثبت‌ عدم‌ شمول‌ أهل‌ البيت‌ غيرهؤلاء الخمسة‌ الطيّبة‌ من‌ بني‌ هاشم‌، كذلك‌ لاتشمل‌ نساء النبي‌(ص‌) أيضاً؛ لما صرّح‌ في‌ صحيح‌ مسلم‌ مايدلّ علي‌ خروجهنّ عنها حيث‌ سئل‌ الراوي‌ عن‌ زيد بن‌ أرقم‌: مَن‌ أهل‌ بيته‌؟ نساوه‌ ؟ قال‌ : لا ، وأيم‌ اللّه‌ إنّ المرأة‌ تكون‌ مع‌ الرجل‌ العصر من‌ الدهر ثمّ يطلّقها فترجع‌ إلي‌ أبيها ... . صحيح‌ مسلم‌ ج‌ 7 ص‌ 123 كتاب‌ الفضائل‌ باب‌ فضائل‌ علي‌ بن‌ أبي‌ طالب‌ ط. محمد علي‌ صبيح. شرح‌ النووي‌ ج‌ 15 ص‌ 181 ط‌ مصر. وعن‌ أحمد عن‌ أمّ سلمة‌ أنّها قالت‌: «فرفعت‌ الكساء لادخل‌ معهم‌ فجذبه‌ من‌ يدي‌ وقال‌: إنّك‌ علي‌ خير» .
مسند أحمد ج‌ 6 ص‌ 323، المعجم‌ الكبير للطبراني‌ ج‌ 3 ص‌ 53،الدر المنثور ج‌ 5 ص‌ 198. فلاريب‌ في‌ عدم‌ شمول‌ أهل‌ البيت‌ لنساء النبي‌ إلاّ من‌ أراد أن‌ يجذب‌ الكساء من‌ يد النبي‌(ص‌) فيدخل‌ نساءه‌ تحته.







4 ـ دلالة‌ حديث‌ الثقلين‌ علي‌ الاءمامة‌

وأمّا ماذكره‌ ابن‌ تيميّة‌ وكذلك‌ قبله‌ القاضي‌ عبد الجبار وبعده‌ عبد العزيز الدهلوي‌ من‌ عدم‌ دلالة‌ حديث‌ الثقلين‌ علي‌ إمامة‌ علي‌ بن‌ أبي‌ طالب‌ والائمّة‌ (ع‌) فهو أيضاً باطل‌ وإنكار الحقّ ولا يرتاب‌ فيها إلاّ المتعصبّ العنيد. راجع‌: منهاج‌ السنة‌ : 7/317 ـ 319، والتفسير: 2/11، مجموعة‌ الفتاوي‌: 13/113. والقاضي‌ عبد الجبّار في‌ المغني‌: 20/191، والدهلوي‌ في‌ تحفة‌ اثنا عشريّه‌: 439، وفصل‌ الخطاب‌ للغرسي‌: 96. لانّ حديث‌ الثقلين‌ يدلّ علي‌ إمامة‌ الائمّة‌ (ع‌) من‌ جهات‌:



1 ـ الامر بالاخذ في‌ قوله‌(ص‌) «ما إن‌ أخذتم‌ بهما لن‌ تضلّوا» ، كما في‌
صحيح‌ الترمذي‌: 5/228 ح‌ 3874، مسند أحمد: 3/59.



2 ـ الامر بالتمسّك‌ في‌ قوله‌(ص‌): «ما إن‌ تمسّكتم‌ بهما لن‌ تضلّوا» ،
كما في‌ صحيح‌ الترمذي‌: 5/329 ح‌ 3876، الدر المنثور للسيوطي‌ ج‌ 6 ص‌ 7، وأخرج‌ الترمذي‌ وحسنه‌، و 306 ، تفسير ابن‌ كثير ج‌ 4 ص‌ 123.



3 ـ الامر بالمتابعة‌ في‌ قوله‌(ص‌) «لن‌ تضلّوا إن‌ اتبعتم‌ واستمسكتم‌ بهما» أو «لن‌ تضلّوا إن‌ اتبعتموها» .
مسند أحمد: 1/118، المستدرك‌: 3/110 وقال‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ الشيخين.



4 ـ الامر بالاعتصام‌ في‌ قوله‌(ص‌): «تركت‌ فيكم‌ ما لن‌ تضلّوا إن‌ اعتصمتم‌، كتاب‌ اللّه‌ وعترتي‌ أهل‌ بيتي‌» عن‌ ابن‌ أبي‌ شيبة‌ والخطيب‌ في‌ المتفق‌ والمفترق.
كنز العمال‌: 1/187 ح‌ 951. ومعلوم‌ بأنّ الاخذ والتمسك‌ والمتابعة‌ والاعتصام‌ لا يلائم‌ إلاّ مع‌ القول‌ بإمامتهم‌ ووجوب‌ تلقي‌ الاءسلام‌ والقرآن‌ منهم‌ والاقتداء بهم‌ وإطاعة‌ أوامرهم‌ ونواهيهم. كما صرّح‌ ابن‌ الملك‌ بقوله‌: التمسك‌ بالكتاب‌ العمل‌ بمافيهوهو الاءئتمار بأوامر اللّه‌ والانتهاء بنواهيه‌ ومعني‌ التمسك‌ بالعترة‌ محبتهم‌ والاهتداء بهداهم‌ وسيرتهم. المرقاة‌ في‌ شرح‌ المشكاة‌: 5/600. قال‌ المنّاوي‌: وفي‌ هذا مع‌ قوله‌ «إنّي‌ تارك‌ فيكم‌» تلويح‌ بل‌ تصريح‌ بأنّهما كتوأمين‌ خلّفهما ووصّي‌ أمّته‌ بحسن‌ معاملتهما وإيثار حقهما علي‌ أنفسهم‌ والاستمساك‌ بهما في‌ الدين. فيض‌ القدير: 2/174. وقال‌ التفتازاني‌ بعد نقل‌ حديث‌ صحيح‌ مسلم‌: ألاتري‌ أنّه‌ عليه‌ الصلاة‌ والسلام‌ قرنهم‌ بكتاب‌ اللّه‌ تعالي‌ في‌ كون‌ التمسك‌ بهما منقذاً عن‌ الضلالة‌، ولا معني‌ للتمسك‌ بالكتاب‌ إلاّ الاخذ بما فيه‌ من‌ العلم‌ والهداية‌ فكذا في‌ العترة. شرح‌ المقاصد: 2/221.



5 ـ قوله‌(ص‌) «لايفترقان‌ حتي‌ يردا علي‌ّ الحوض‌» يدلّ علي‌ كون‌ العترة‌ حجّة‌ كالقرآن‌ في‌ جميع‌ الازمنة‌ والامكنة‌ والاحوال‌ إلي‌ يوم‌ القيامة. والحجّة‌ لا تكون‌ إلاّ بكونهم‌ أئمّة. وعدم‌ الافتراق‌ يتمّ بالاخذ بقولهم‌ والاهتداء بهدايتهم‌ من‌ دون‌ أن‌ يشترط‌ بشروط‌ ويقيّد بقيود وهو لايمكن‌ إلاّ بالقول‌ بكونهم‌ أئمّة.

6 ـ قوله‌(ص‌) «لن‌ تضلّوا» يدلّ علي‌ انحصار النجاة‌ بالتمسك‌ بالعترة‌ وعدم‌ ضلالة‌ من‌ افترق‌ عنهم‌ كضلالة‌ من‌ افترق‌ عن‌ كلام‌ اللّه.

7 ـ التعبير عن‌ الثقلين‌ بخليفتين‌: ومّما يؤيّد أنّ مراد النبي‌(ص‌) عن‌ الوصية‌ بالثقلين‌، كونهم‌ أئمّة‌ وخلفاء هوالتعبير في‌ بعض‌ الروايات‌ عن‌ الكتاب‌ وأهل‌ البيت‌ بخليفتين‌ كما روي‌ أحمد بإسناده‌ شريك‌، عن‌ الركين‌، عن‌ زيد بن‌ ثابت‌ قال‌: قال‌ رسول‌ اللّه‌ صلي‌ اللّه‌ عليه‌ وسلم‌: «إنّي‌ تارك‌ فيكم‌ خليفتين‌: كتاب‌ اللّه‌ حبل‌ ممدود ما بين‌ السماء والارض‌ وعترتي‌ وأهل‌ بيتي‌ وأنّهما لن‌ يفترقا حتّي‌ يردا علي‌ّ الحوض‌» مسند أحمد: 5/182 و189، مجمع‌ الزوائد: 1/170، وقال‌: و رواه‌ الطبراني‌ في‌ الكبير ورجاله‌ ثقات.

8 ـ تشبيه‌ أهل‌ بيته‌ بسفينة‌ نوح‌ : وممّا يؤكّد كون‌ أهل‌ البيت‌ (ع‌) عدلاً للقرآن‌ ومانعاً عن‌ الضلالة‌ تشبيهم‌ رسول‌ اللّه‌ (ص‌) بسفينة‌ نوح‌ كما عن
أبي‌ذر وهو آخذ بباب‌ الكعبة‌ : أيّها الناس‌ من‌ عرفني‌ فأنا أبو ذر سمعت‌ رسول‌ اللّه‌ ( ص‌) يقول‌ : مثل‌ أهل‌ بيتي‌ مثل‌ سفينة‌ نوح‌ ، من‌ ركبها نجا ، ومن‌ تخلف‌ عنها غرق‌ . هذا حديث‌ صحيح‌ علي‌ شرط‌ مسلم‌ ولم‌ يخرجاه. المستدرك‌: 2/343.







5 ـ الوصيّة‌ بالعترة‌ في‌ حديث‌ مسلم‌

وأمّا قوله‌: «فذكر كتاب‌ الله وحضّ عليه‌ ثمّ قال‌: وعترتي‌ أهل‌ بيتي‌، أذكركم‌ الله في‌ أهل‌ بيتي‌، ثلاثاً. فهذا أيضاً يدلّ إمّا علي‌ عدم‌ فهمه‌ أو تعصبّه‌ لانّ الدقّة‌ في‌ التثليث‌ بقوله‌ «أذكركم‌ اللّه‌ في‌ أهل‌ بيتي‌» ترشد علي‌ المبالغة‌ بالتمسك. كما صرّح‌ به‌ غير واحد من‌ علماء العامّة. كما قال‌ الشيخ‌ محمد أمين‌ بن‌ محمد من‌ كبار علماء أهل‌ السنّة‌ المتأخرين‌ : فحملنا قوله‌: أذكركم‌ اللّه‌ علي‌ مبالغة‌ التثليث‌ فيه‌ علي‌ التذكير بالتمسك‌ بهم‌ والرذع‌ عن‌ عدم‌ الاعتداد بأقوالهم‌ وأعمالهم‌ وأحوالهم‌ وفتياهم‌ وعدم‌ الاخذ بمذهبهم.
دراسة‌ اللبيب‌: 231.




ابو مهدي القزويني
http://www.valiasr-aj.com/fa/page.php?bank=maghalat&id=39

الحجّة الغرّاء على شهادة الزهراء (ع)

تأليف العلاّمة المحقّق  آية الله جعفر السبحاني

 

محاولات الترويع على لسان المؤرخين

 

1. ابن أبي شيبة والمصنف

2. البلاذري وكتاب الأنساب

3. ابن قتيبة والإمام والسياسة

4. الطبري وتاريخه

5. ابن عبد ربّه والعقد الفريد

6. ابن عبد البر والاستيعاب

7. ابن أبي الحديد وشرح نهج البلاغة

8. أبو الفداء والمختصر في تاريخ البشر

9. النويري ونهاية الارب في فنون الأدب

10. السيوطي ومسند فاطمة

11. المتقي الهندي وكنز العمال

12. الدهلوي وإزالة الخفاء

13. محمد حافظ إبراهيم والقصيدة العمرية

14. عمر رضا كحالة وأعلام النساء

 

1. ابن أبي شيبة و «المصنف»

أخرج عبد اللّه بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي (المتوفّى سنة 235) في كتابه «المصنف» المطبوع، في الجزء الثاني في باب «ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة» أخرج، وقال: حدّثنا محمد بن بشر، حدّثنا عبيد اللّه بن عمر، حدّثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتّى دخل على فاطمة، فقال:

 

يا بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)! واللّه ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف باللّه لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم اللّه ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فَرَوا رأيكم ولا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتّى بايعوا لأبي بكر

(المصنف:8/572، ط دار الفكر، بيروت، تحقيق و تعليق سعيد محمد اللحام)

 

إنّ الاحتجاج بهذا الحديث رهن وثاقة المؤلف ورواته، فلنبدأ بدراسة سيرتهم.

 

أمّا ابن أبي شيبة، فكفى في وثاقته ما ذكره الذهبي في «ميزان الاعتدال» حيث قال:

عبد اللّه بن محمد بن أبي شيبة الحافظ الكبير، الحجة، أبو بكر. حدّث عنه أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبو القاسم البغوي، والناس ووثقه جماعة.

ثمّ قال: أبو بكر «يريد به أبو شيبة»، ممّن قفز القنطرة، وإليه المنتهى في الثقة، مات في أوّل سنة 235(ميزان الاعتدال:2/490، رقم 4549)

 

هذا حال المؤلف، وأمّا حال الرواة فلنبدأ بالأوّل فالأوّل:

 

محمد بن بشر:

يعرفه ابن حجر العسقلاني، بقوله: محمد بن بشر بن الفرافصة بن المختار الحافظ العبدي، أبو عبد اللّه الكوفي.

و ثقه ابن معين، و عرفه أبو داود بأنّه أحفظ من كان بالكوفة، قال البخاري وابن حبان في الثقات: مات سنة 203.

ثمّ نقل توثيق الآخرين له(تهذيب التهذيب:9/73، رقم الترجمة90.)

 

عبيد اللّه بن عمر

  يعرفه ابن حجر العسقلاني، بقوله: عبيد اللّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي، العمري، المدني، أبو عثمان أحد الفقهاء السبعة، وقد توفّـي عام 147هـ.

  قال عمرو بن علي: ذكرت ليحيى بن سعيد قول ابن مهدي: إنّ مالكاً أثبت من نافع عن عبيد اللّه، فغضب وقال: قال أبو حاتم عن أحمد: عبيد اللّه أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية.

قال ابن معين: عبيد اللّه من الثقات.

وقال النسائي: ثقة، ثبت.

وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة.

إلى غير ذلك من كلمات الإطراء(تهذيب التهذيب:7/38 ـ 40، رقم الترجمة71.)

 

زيد بن أسلم العدوي

عرفه ابن حجر العسقلاني، وقال: زيد بن أسلم العدوي، أبو أُسامة، ويقال: أبو عبد اللّه المدني، الفقيه، مولى عمر، وثّقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمد بن سعد، وابن خراش.

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، من أهل الفقه والعلم، وكان عالماً بتفسير القرآن، مات سنة 136(تهذيب التهذيب:3/395 ـ 396، رقم الترجمة728)

 

أسلم العدوي

أسلم العدوي، مولاهم أبو خالد،ويقال أبو زيد، غير انّه حبشي، وقيل من سبي عين التمر، أدرك زمن النبي وروى عن أبي بكر، ومولاه عمر، وعثمان وابن عمر، ومعاذ بن جبل، وأبي عبيدة، وحفصة.

قال العجلي: مدني، ثقة، من كبار التابعين.

وقال أبو زرعة: ثقة.

وقال أبو عبيد: توفي سنة ثمانين.

وقال غيره: هو ابن مائةوأربعة عشرة سنة(تهذيب التهذيب:1/266، رقم الترجمة501)

 

وقد اكتفينا في ترجمة رجال السند بما نقله ابن حجر العسقلاني، ولم نذكر ما ذكره غيره في حقّهم روماً للاختصار. فتبين من هذا البحث انّ الرواية صحيحة، والاسناد في غاية الصحّة.

 

2. البلاذري و «الأنساب»

إنّ أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي، الكاتب الكبير، صاحب التاريخ المعروف، نقل الحادثة المريرة في كتابه وقال: في ضمن بحث مفصل عن أمر السقيفة:

 

لما بايع الناس أبا بكر اعتذر علي والزبير، إلى أن قال: إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا ابن الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك

(أنساب الاشراف:1/586، طبع دار المعارف بالقاهرة)

 

والاستدلال بالرواية رهن وثاقة المؤلف و من روى عنهم، فنقول:

 

أمّا المؤلف فقد وصفه الذهبي في كتاب «تذكرة الحفاظ» ناقلاً عن الحاكم بقوله: كان واحد عصره في الحفظ وكان أبو علي الحافظ ومشايخنا يحضرون مجلس وعظه يفرحون بما يذكره على رؤوس الملأ من الأسانيد، ولم أرهم قط غمزوه في اسناد إلى آخر ما ذكره(تذكرة الحفاظ:3/892 برقم 860)

  وقال أيضاً في سير أعلام النبلاء: العلاّمة، الأديب، المصنف، أبو بكر، أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي، البلاذري، الكاتب، صاحب «التاريخ الكبير»( سير اعلام النبلاء:13/162، رقم 96)

وقال ابن كثير في كتاب «البداية والنهاية» نقلاً عن ابن عساكر: كان أديباً، ظهرت له كتب جياد(البداية والنهاية:11/69، حوادث سنة 279)

هذا هو حال المؤلف، وأمّا حال الرواة الواردة أسماؤهم في السند، فإليك ترجمتهم:

 

المدائني

وهو علي بن محمد أبوالحسن المدائني الأخباري، صاحب التصانيف، روى عنه الزبير بن بكار، وأحمد بن زهير، والحارث بن أبي أُسامة، ونقل الذهبي عن يحيى انّه قال: المدائني ثقة، ثقة، ثقة، توفّي عام أربع أو خمس وعشرين ومائتين(ميزان الاعتدال:3/153، رقم الترجمة5921)

 

مسلمة بن محارب

مسلمة بن محارب الزيادي عن أبيه، ذكره البخاري في تاريخه(التاريخ الكبير:7/387، رقم الترجمة1685)

وقد قال أهل العلم انّ سكوت أبـي زرعة أو أبـي حاتم أو البخاري عـن الجرح فـي الراوي توثيق لـه، وقـد مشى على هذه القاعـدة الحـافظ ابـن حجر فـي «تعجيل المنفعة» فتراه يقول فـي كثير من المواضع: ذكره البخاري ولم يذكـر فيـه جرحاً(لاحظ قواعد في علوم الحديث:385و 403 و تعجيل المنفعة:219، 223، 225، 254)

 

سليمان بن طرخان

سليمان بن طرخان التيمي ـ ولاءً ـ روى عن أنس بن مالك وطاووس وغيرهم، قال الربيع بن يحيى عن سعيد: ما رأيت أحداً أصدق من سليمان التيمي.

وقال عبد اللّه بن أحمد عن أبيه: ثقة.

وقال ابن معين والنسائي: ثقة.

وقال العجلي: تابعي، ثقة فكان من خيار أهل البصرة.

إلى غير ذلك من التوثيقات، توفّـي عام 97(تهذيب التهذيب:4/201ـ202، رقم الترجمة341)

 

ابن عون

عون بن ارطبان المزني البصري، رأى أنس بن مالك(توفّـي عام 151).

قال النسائي في الكنى: ثقة، مأمون.

وقال في موضع آخر: ثقة، ثبت.

وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه، عبادة وفضلاً وورعاً ونسكاً وصلابة في السنة وشدة على أهل البدع(تهذيب التهذيب:5/346 ـ 348، رقم الترجمة600)

إلى هنا تبين صحّة السند وانّ الرواية صحيحة، رواتها كلّهم ثقات، وكفى في ذلك حكماً.

 

وهذان النصان المرويان عن الثقات يعرب عن نوايا سيئة للخليفتين، وسيوافيك في القسم الثاني انّهم جسدوا نواياهم حيال أهل بيت النبوة (عليهم السَّلام).

 

3. ابن قتيبة و «الإمامةو السياسة»

  المؤرخ الشهير عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 ـ 276) وهو من رواد الأدب والتاريخ، وقد ألف كتباً كثيرة منها «تأويل مختلف الحديث» و «أدب الكاتب» وغيرهما من الكتب(الأعلام:4/137) قال في كتابه الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء:

 

إنّ أبا بكر (رضي الله عنه) تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرم اللّه وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص انّ فيها فاطمة، فقال: وإن.

إلى أن قال: ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت[يا] رسول اللّه، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين. وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تتفطر وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً واللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك....إنّ من

(الإمامة والسياسة:12، 13 طبعة المكتبة التجارية الكبرى، مصر)

 

  قرأ كتاب «الإمامة والسياسة» يرى أنّها نظير سائر الكتب لقدمائنا المؤرخين كالبلاذري والطبري وغيرهم، وقد نسب هذا الكتاب إليه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، ونقل عنه مطالب كثيرة ربما لا توجد في هذه النسخة المطبوعة بمصر، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على تطرق التحريف لهذا الكتاب، كما نسبه إليه الياس سركيس في معجمه(معجم المطبوعات العربية:1/212)

نعم ذكر صاحب الأعلام انّ للعلماء نظراً في نسبته إليه، ومعنى ذلك انّ غيره تردد في نسبته إليه، والتردد غير الإنكار.

وعلى كلّ حال فهو كتاب تاريخي نظير سائر الكتب التاريخية.

 

4. الطبري وتاريخه

محمد بن جرير الطبري (224 ـ 310هـ) صاحب التاريخ والتفسير المعروفين بين العلماء، وقد صدر عنهما كلّ من جاء بعده، قد ذكر قصة السقيفة المحزنة، وقال:

 

حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب، منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: واللّه لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير، مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه

(تاريخ الطبري:2/443، طبع بيروت)

 

وهذا المقطع من تاريخ الإسلام يعرب عن أنّ أخذ البيعة للخليفة كان عنوة، وإنّ من تخلف عنها سوف يواجه مختلف أساليب التهديد من حرق الدار وتدميره، وبما انّ الطبري نقل الأثر بالسند فعلينا دراسة سنده مثلما درسنا ما رواه ابن أبي شيبة والبلاذري حتى يعضد بعضه بعضه ولا يبقى لمشكك شك ولا لمرتاب ريب.

أمّا الطبري فليس في إمامته ووثاقته كلام، فقد وصفه الذهبي بقوله: الإمام الجليل، المفسر، صاحب التصانيف الباهرة، ثقة، صادق(ميزان الاعتدال:4/498، رقم 7306)

وأمّا دراسة رواة السند، فنقول:

 

ابن حميد

هو محمد بن حميد الحافظ، أبو عبد اللّه الرازي، روى عن عدّة منهم يعقوب ابن عبد اللّه القمي، وإبراهيم بن المختار، وجرير بن عبد الحميد، وروى عنه أبو داود والترمذي، وابن ماجة، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، إلى غير ذلك.

نقل عبد اللّه بن أحمد، عن أبيه: لا يزال بالري علم ما دام محمد بن حُميد حيّاً.

وقيل لمحمد بن يحيى الزهري: ما تقول في محمد بن حميد: قال: ألا تراني هوذا، أُحدث عنه.

وقال ابن خيثمة: سأله ابن معين، فقال: ثقة، لا بأس به، رازي، كيّس.

وقال أبو العباس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: ابن حُميد ثقة، كتب عنه يحيى. مات سنة248هـ.( تهذيب التهذيب:9/128 ـ 131، رقم الترجمة180) نعم ربما جرحه بعض غير انّ قول المعدل مقدم على الجارح.

 

جرير بن عبد الحميد

جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد اللّه الرازي، القاضي، ولد في قرية من قرى إصفهان، ونشأ بالكوفة، ونزل الري، روى عنه إسحاق بن راهويه، وابنا أبي شيبة، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين وجماعة.

كان ثقة يرحل إليه.

وقال ابن عمار الموصلي: حجّة، كانت كتبه صحيحة(تهذيب التهذيب:2/75، رقم الترجمة116)

 

المغيرة بن مِقْسم الضبي

المغيرة بن مِقْسم الضبي، الكوفي، الفقيه، روى عنه شعبة، والثوري، وجماعة، قال أبو بكر بن عياش: ما رأيت أحداً أفقه من مغيرة فلزمته.

قال العجلي: المغيرة ثقة، فقيه الحديث.

وقال النسائي: ثقة، توفي سنة 136هـ.

وذكره ابن حِبّان في الثقات(تهذيب التهذيب:10/270، برقم 482)

 

زياد بن كُليب

عرفه الذهبي بقوله: أبو معشر التميمي، الكوفي، عن إبراهيم والشعبي وعنه مغيرة، مات كهلاً في سنة 110هـ، وثّقه النسائي وغيره(ميزان الاعتدال:2/92، برقم 2959)

وقال ابن حجر: قال العجلي: كان ثقة في الحديث، وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين(تهذيب التهذيب:2/382، برقم 698)

 

إلى هنا تمّت دراسة سند الرواية التي رواها الطبري، ولنقتصر في دراسة الاسناد بهذا المقدار لانّ فيما ذكرنا غنى وكفاية.

 

5. ابن عبد ربه و العقد الفريد

إنّ شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفّى عام 463هـ) عقد فصلاً لما جرى في سقيفة بني ساعدة، وقال: تحت عنوان «الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر»:

 

علي والعباس، والزبير، وسعد بن عبادة، فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حيث بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليُخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة

(العقد الفريد:4/87، تحقيق خليل شرف الدين)

 

وهذا النص من هذا المؤرخ الكبير، أقوى شاهد على انّ الخليفة قد رام احراق الباب والدار بغية أخذ البيعة من علي ومن لازم بيته، وما قيمة بيعة تؤخذ عنوة.

 

6. ابن عبد البر والاستيعاب

روى أبو عمرو يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر (368 ـ 463هـ) في كتابه القيم «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» بالسند التالي:

 

حدّثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن أيّوب، حدّثنا أحمد بن عمرو البزاز، حدّثنا أحمد بن يحيى، حدّثنا محمد بن نسير، حدّثنا عبد اللّه بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، انّ عليّاً والزبير كانا حين بُويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر، فقال: يا بنت رسول اللّه، ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما أحد أحبّ إلينا بعده منك، ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ. ثمّ خرج وجاءوها. فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني وحلف لئن عدتم ليفعلنّ، وأيم اللّه ليفينّ بها

(الاستيعاب:3/975، تحقيق علي محمد البجاوي، ط، القاهرة)

 

ثمّ إنّ أبا عمرو لم ينقل نصّ كلام عمر بن الخطاب، وإنّما اكتفى بقوله: «لأفعلن ولأفعلنّ». وقد تقدّم نصّ كلامه في نصوص الآخرين كابن أبي شيبة والبلاذري والطبري، ولعلّ الظروف لم تسنح له بالتصريح بما قال.

 

7. ابن أبي الحديد وشرح نهج البلاغة

نقل عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني المعتزلي (المتوفّى عام655) عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري انّه قال:

 

لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى عليّ، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة (عليها السَّلام)،وقال: يا بنت رسول اللّه، ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا قلت بعد أبيك، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم، فلمّا خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون انّ عمر جاءني، وحلف لي باللّه إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم اللّه ليمضين لماحلف له

(شرح نهج البلاغة:2/45، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم)

 

8. أبو الفداء والمختصر في أخبار البشر

ألّف إسماعيل بن علي المعروف بأبي الفداء (المتوفّى عام 732هـ) كتاباً أسماه «المختصر في أخبار البشر» ذكر فيه قريباً ممّا ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد، حيث قال:

ثمّ إنّ أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي اللّه عنها، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار فلقيته فاطمة رضي اللّه عنها، وقالت: إلى أين يابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو يدخلوا فيما دخل فيه الأُمّة(1)

 

9. النويري و «نهاية الارب في فنون الأدب»

أحمد بن عبد الوهاب النويري (677 ـ 733هـ) أحد كبار الأدباء، له خبرة في التاريخ يعرّفه في الأعلام بقوله: عالم، بحاث، غزير الاطّلاع وقال في كتابه «نهاية الإرب في فنون الأدب» ـ الذي وصفه الزركلي بقوله: إنّ نهاية الارب على الرغم من تأخر عصره يحوي أخباراً خطيرة عن صقيلة نقلها عن مؤرخين قدماء لم تصل إلينا كتبهم مثل ابن الرقيق، وابن الرشيق وابن شداد وغيرهم ـ قال:( المختصر في تاريخ البشر:1/156، ط دار المعرفة، بيروت) روى ابن عمر بن عبد البر، بسنده عن زيد بن أسلم، عن أبيه: انّ عليّاً والزبير كان حين بويع لأبي بكر، يدخلان على فاطمة، يشاورانها في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها، فقال: يا بنت رسول اللّه ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك وما أحد أحبّ إلينا بعده منك، وقد بلغني انّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ! ثمّ خرج وجاءوها، فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني وحلف إن عدتم ليفعلنّ وأيم اللّه ليفين

(نهاية الارب في فنون الأدب:19/40، ط القاهرة، 1395هـ)

 

10. السيوطي ومسند فاطمة

جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (848 ـ 911هـ) ذلك الباحث الكبير، والمؤرخ الخبير، يذكر في كتابه «مسند فاطمة» نفس ما رواه المؤرخون عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم:

 

انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)كان علي والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ويشاورونها ويرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللّه، واللّه ما من الخلق أحد أحبّ إليّ من أبيك وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، ان آمرهم أن يحرق عليهم الباب، فلما خرج عليهم عمر جاءوا، قالت: تعلمون انّ عمر قد جاءني وقد حلف باللّه لئن عدتم ليحرقنّ عليكم الباب، وأيم اللّه ليمضين لما حلف عليه(مسند فاطمة: السيوطي: 36، ط مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت)

 

11. المتقي الهندي و كنز العمال

نقل علي بن حسام الدين المعروف بالمتقي الهندي (المتوفّى عام 975) في كتابه القيم «كنز العمال» ما جرى على بيت فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) وفق ما جاء في كتاب «المصنف» لابن أبي شيبة، حيث قال:

 

عن أسلم انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان علي والزبير يدخلون على فاطمة (عليها السَّلام)بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ويشاورونها ويرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتّى دخل على فاطمة (عليها السَّلام)، فقال: يا بنت رسول اللّه ما من الخلق أحد أحبُّ إليَّ من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه ماذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب.إلى آخر ما ذكر

(كنز العمال:5/651، برقم 14138)

 

12. الدهلوي وإزالة الخفاء

نقل ولي اللّه بن مولوي عبد الرحيم العمري، الدهلوي، الهندي، الحنفي(1114 ـ 1176هـ) في كتابه «إزالة الخفاء» ما جرى في سقيفة بني ساعدة، وقال:

عن أسلم باسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال:

 

انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان عليّوالزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، واللّه ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه فانّ ذلك لم يكن بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت

(إزالة الخفاء:2/178)

 

وذكر قريباً من ذلك في كتابه الآخر «قرة العينين»( قرة العينين:78)

 

13. محمد حافظ إبراهيم والقصيدة العمرية

محمد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، الشهير بحافظ إبراهيم(1287 ـ 1351هـ)، شاعر مصر القومي. طبع ديوانه في مجلدين، وله قصيدة عمرية احتفل بها أُدباءمصر، وممّا جاء فيها قوله:

 

وقولة لعلي قالها عمر              أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها   إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها  أمام فارس عدنان وحاميها

(ديوان حافظ إبراهيم:1/82)

 

والعجب انّ شاعر النيل يجعل الموبقات منجيات، ويعد السيئات من الحسنات، وما هذا إلاّ لأنّ الحب يعمي ويصم.

ومعنى هذا انّه لم يكن لبنت المصطفى أي حرمة ومكرمة عند عمر حين استعد لإحراق الدار ومن فيها لكي يصبح أبوبكر خليفة للمسلمين.

 

قال الأميني عقب نقله للأبيات الثلاثة، ما هذا نصّه:

ماذا أقول بعد ما تحتفل الأُمّة المصرية في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918م بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات، وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الابياري، وعلي جارم، وعلي أمين، وخليل مطران، ومصطفى الدمياطي بك وغيرهم ويعتنون بنشر ديوان هذا شعره، وبتقدير شاعر هذا شعوره، ويخدشون العواطف في هذه الازمة، في هذا اليوم العصيب، ويعكرون بهذه النعرات الطائفية صفو السلام والوئام في جامعة الإسلام، ويشتتون بها شمل المسلمين،ويحسبون انّهم يحسنون صنعاً.

إلى أن قال: وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنّه جاء للأُمّة بعلم جم أو رأي صالح جديد، أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الأُمّة ونبيُّها المقدَّس، فبشرى بل بشريان للنبي الأعظم، بأنّ بضعته الصديقة لم تكن لها أي حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول، ولم يكن سكناها في دار طهّر اللّه أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم. فزه زه بانتخاب هذا شأنه، وبخ بخ ببيعة تمت بهذا الارهاب وقضت بتلك الوصمات(الغدير:7/86 ـ 87)

 

14. عمر رضا كحالة و «اعلام النساء»

عمر رضا كحالة من الكتاب المعاصرين اشتهر بكتابه «أعلام النساء» ترجم فيه حياة بنت النبي فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) وممّا قال في ترجمتها:

 

وتفقد أبو بكر قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب كالعباس، والزبير وسعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة، فبعث أبو بكر إليهم عمر بن الخطاب، فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة، فقال: وإن.... ثمّ وقفت فاطمة على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً»( اعلام النساء:4/114)

 

إلى هنا تمّ ما وقفنا عليه في كتب أهل السنة ممّن أشار إلى نوايا الخليفة السيئة حيال بنت المصطفى وبيتها و من فيه، إلاّ أنّ أغلب هذه المصادر لم تخض في التفاصيل و لم تشر إلى الحوادث المريرة التي تلتها، لكن هناك أُناساً أبدوا شجاعة في اظهار الحقّ حيث أشاروا إلى الحوادث المريرة التي مرت على البيت الهاشمي.

وها نحن نشير إلى أسمائهم حسب التسلسل التاريخي.

 

 

كشف بيت فاطمة (عليها السَّلام) على لسان المؤرخين

 

15. أبو عبيد وكتاب الأموال

16. ابن سعد والطبقات الكبرى

17. النظام وكتاب الوافي بالوفيات

18. المبرد وكتاب الكامل

19. المسعودي ومروج الذهب

20. ابن أبي دارم وميزان الاعتدال

21. الطبراني والمعجم الكبير

22. ابن عبد ربه والعقد الفريد

23. ابن عساكر ومختصر تاريخ دمشق

24. ابن أبي الحديد وشرح نهج البلاغة

25. الجويني وكتاب فرائد السمطين

26. الذهبي وتاريخ الإسلام

27. نور الدين الهيتمي ومجمع الزوائد

28. ابن حجر العسقلاني ولسان الميزان

29. المتقي الهندي وكنز العمال

30. عبد الفتاح عبد المقصود وكتاب الإمام علي

 

 

15. أبو عبيد و كتاب «الأموال»

أبو عبيد قاسم بن سلاّم (المتوفّى عام 224) أحد الفقهاء الكبار في القرن الثالث، وقد اشتهر بكتابه النفيس «الأموال»الذي طبع غير مرة. فقد أزاح الستار عن وجه الحقيقة، وأشار إلى ما جرى على بيت فاطمة من المصائب. فقد نقل عن عبد الرحمن بن عوف قوله:

 

دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّـي فيه فسلمت عليه، وقلت: ما أرى بك بأساً، والحمد للّه، ولا تأس على الدنيا، فو اللّه إن علمناك إلاّ كنت صالحاً مصلحاً.

 

فقال: إنّي لا آسى على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهم، ووددت أنّي لم أفعلهم، وثلاث لم أفعلهم وددت انّي فعلتهم، وثلاث وددت انّي سألت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عنهم، فأمّا التي فعلتها ووددت انّي لم أفعلها، فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا. لخلة ذكرها قال أبو عبيد: لا أريد ذكرها ـ ووددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبـي عبيدة، فكان أمـيراً وكنـت وزيـراً، ووددت انّـي حيـث كنـت وجهت خالـداً إلـى أهـل الردة أقمت بـذي القصـة، فإن ظفر المسلمون ظفروا وإلاّكنت بصدد لقاء أو مـدد. الخ

(الأموال:193 ـ 194، مكتبة الكليات الأزهرية)

 

ثمّ إنّ صاحب «الأموال» وإن لم يصرح بلفظ الخليفة وكره التلفّظ به، لكن غيره جاء بنفس النص الذي أدلى به الخليفة يوم كان طريح الفراش وستقف على كلام الآخرين في هذا المجال.

 

16. ابن سعد و «الطبقات الكبرى»

يذكر محمد بن سعد (المتوفّى عام 229هـ) عند ترجمة أبي بكر ما هذا نصّه:

 

قال: أخبرنا عبد اللّه بن الزبير، حدّثنا إسماعيل بن عامر، قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن، فقال علي: هذا أبو بكر على الباب، فإن شئت أن تأذني له؟ قالت: وذلك أحب إليك؟ قال: نعم، فدخل عليها واعتذر إليها وكلّمها فرضيت عنه

(الطبقات:8/27، ط دار صادر)

 

17. النظام و «الوافي بالوفيات»

ألّف صلاح الدين خليل بن إيبك الصفدي كتاباً أسماه «الوافي بالوفيات»، استدرك على كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان، وقد ترجم فيه النظام المعتزلي إبراهيم بن سيار البصري (160 ـ 231هـ).

 

وقال: قالت المعتزلة إنّما لقب ذلك (النظام) لحسن كلامه نظماً ونثراً، وكان ابن أُخت أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة، وكان شديد الذكاء، ونقل آراءه، فقال: انّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن في بطنها(الوافي بالوفيات:6/17; والملل والنحل للشهرستاني:1/57 طبع دار المعرفة، ولاحظ في ترجمة النظام كتابنا «بحوث في الملل والنحل»:3/248 ـ 255)

 

18. المبرد و «الكامل»

محمد بن يزيد بن عبد الأكبر البغدادي(210 ـ 285هـ) أحد الأُدباء الكتّاب، وصاحب الآثار الممتعة، وقد نقل في كتاب «الكامل» ما روي عن عبد الرحمن بن عوف عند ما زار أبا بكر في مرضه الذي مات فيه، وقال:

 

دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت وسألته: كيف به؟ فاستوى جالساً، إلى أن قال: قال أبو بكر: أمّا إنّي لا آسى إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت انّي لم أفعلهنّ، وثلاث لم أفعلهنّ ووددت انّي فعلتهن، وثلاث وددت انّي سألت رسول اللّه عنهم.

فأمّا الثلاث التي فعلتها ووددت انّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة وتركته ولو أغلق على حرب، ووددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: عمر أو أبي عبيدة، فكان أميراً وكنت وزيراً، ووددت انّي إذا أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وكنت قتلته بالحديد أو أطلقته. وأمّاالثلاث التي تركتها ووددت انّي فعلتها....الخ

(شرح نهج البلاغة:2/45 ـ 47 ولاحظ الكامل:1/11، تحقيق الدكتور محمد أحمد الدّالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ويظهر من محقّق الكتاب انّه وجد النص في الكامل حيث نقل شيئاً منه حول هذا النص. إلاّ انّ اليد الأمينة على التراث حرفت الباقي فلم تذكر الرواية برمتها حسب ما نقله ابن أبي الحديد عن الجوهري عن الكامل للمبرد)

 

19. المسعودي و «مروج الذهب»

إنّ أبا الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (المتوفّى عام 346هـ)، أحد المؤرخين البارعين الذين كان لهم دور هام في تدوين تاريخ الإسلام، وقد ذكر في تاريخه المعروف بـ «مروج الذهب» عند ذكر أبي بكر ونسبه ولمع من أخباره وسيره، قال:

 

ومن كلامه انّه لما احتضر، قال: ما آسى على شيء إلاّعلى ثلاث فعلتها وددت انّي تركتها، وثلاث تركتها وددت انّي فعلتها، وثلاث وددت انّي سألت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عنها، فأمّا الثلاث التي فعلتها ووددت انّي تركتها، فوددت انّي لم أكن فتشت بيت فاطمة ـ وذكر في ذلك كلاماً كثيراً ـ ووددت انّي لم نعم أشار المحقق في ذيل الصفحة إلى ما رواه صاحب العقد الفريد.

أكن حرقت الفجاءة وأطلقته نجيحاً أو قتلته صريحاً، ووددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميراً وكنت وزيراً، والثلاث التي تركتها وودت انّي فعلتها... الخ(مروج الذهب:2/301، ط دار الأندلس، بيروت)

 

20. ابن أبي دارم و «ميزان الاعتدال»

أحمد بن محمد المعروف بابن أبي دارم، المحدث الكوفي (المتوفّى عام 357هـ) الذي يعرفه الذهبي، بقوله: كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة. وينقل(سير اعلام النبلاء:15/578، رقم الترجمة349) عنه الحاكم.

ويقول أيضاً في كتابه «ميزان الاعتدال»: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب وحضرته ورجل يقرأ عليه:

 

انّ عمر رفص فاطمة حتى أسقطت بمحسن

(ميزان الاعتدال:1/139، رقم الترجمة552)

 

21. الطبراني و «المعجم الكبير»

أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني(260 ـ 360هـ) صاحب «المعجم الكبير» يعرفه الذهبي في ميزانه، ويقول: حافظ، ثبت(ميزان الاعتدال:2/195، رقم الترجمة3423) فقد نقل في فصل أسماه «مما اسند أبو بكر عن رسول اللّه» فجاء في ذلك الفصل حديث عبد الرحمن بن عوف أبا بكر في مرضه الذي توفّي فيه، فقال أبو بكر له:

 

أمّا انّي لا آسى على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهن ووددت انّي لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وددت انّي فعلتهن،وثلاث وددت انّي سألت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عنها، فأمّا الثلاث اللاتي وددت انّي لم أفعلهن، فوددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وان أُغلق على الحرب، ووددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر، فكان أميراً وكنت وزيراً...الخ

(المعجم الكبير:1/62، برقم 43)

 

22. ابن عبد ربه و «العقد الفريد»

قد تقدّم كلام ابن عبد ربه عند ذكر الحوار الذي دار بين فاطمة وعمر بن الخطاب من دون أن يشير هناك إلى الحوادث المريرة التي وقعت بعده ولكنّه صرح في مورد آخر بكشف الدار حيث نقل حديث عبد الرحمن بن عوف عند ما زار أبا بكر في مرضه، فقال: و قال تحت عنوان استخلاف أبي بكر لعمر:

 

أجل انّي لا آسي على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهن، ووددت اني تركتهن، وثلاث تركتهن ووددت انّي فعلتهن، وثلاث وددت انّي سألت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عنهن.

فأمّا الثلاث التي فعلتهن ووددت انّي تركتهن، فوددت انّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء و إن كانوا أغلقوه على الحرب،...الخ

(العقد الفريد:4/93، تحت عنوان استخلاف أبي بكر لعمر)

 

23. ابن عساكر و «مختصر تاريخ دمشق»

ألف علي بن حسن المعروف بابن عساكر (المتوفّى عام 571هـ) كتاباً في تاريخ دمشق طبع في ثمانين جزءاً وقد لخصه محمد بن مكرم المعروف بأبي منظور (620 ـ 711هـ) فجاء في ترجمة أبي بكر انّه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفّـي فيه، فأصابه مفيقاً إلى أن قال:

 

فقال أبو بكر: لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهن وودت أنّي لو تركتهن، وثلاث تركتهن وودت انّي فعلتهن، وثلاث وددت لو أنّي سألت عنهن رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). فأمّا التي وددت انّي تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أنّي ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين ـ يعني عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً، وكنت وزيراً، وددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء مع أنّهم أغلقوه على الحرب(مختصر تاريخ دمشق:13/122)

 

24. ابن أبي الحديد و «شرح نهج البلاغة»

عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني المعتزلي (المتوفّى عام 655هـ) المؤرخ والكاتب القدير مؤلف «شرح نهج البلاغة» في عشرين جزءاً، فيها تاريخ وأدب، وكلام وفلسفة، يعرب عن تضلّعه في العلوم الإسلامية عامة، فقد نقل عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري مؤلف كتاب «السقيفة» بلا غمز وردّ.(كتاب السقيفة لمؤلفه أحمد بن عبد العزيز، أقدم وأبسط كتاب تناول حوادث السقيفة بالشرح والتفصيل، ينقل عنه ابن أبي الحديد كثيراً في أجزاء مختلفة من كتابه فلو قام أحد بجمع ما نقل عنه في شرح نهج البلاغة لعاد ذلك الكتاب إلى الساحة بعد افتقاده)

 

فذكر قوله: إنّي لا آسى إلاّ على ثلاث فعلتهن ووددت انّي لم أفعلهنّ، وثلاث لم أفعلن وودت انّي فعلتهن، وثلاث وددت انّي سألت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عنهنّ; فأمّا الثلاث التي فعلتها ووددت انّي لم أكن فعلتها، فوددت انّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة وتركته ولو أُغلق على حرب(شرح نهج البلاغة:2/46 ـ 47)

 

وقال في مكان آخر نقلاً عن القاضي عبد الجبار:

 

وأمّا حديث الإحراق فلو صحّ لم يكن طعناً على عمر لأنّ له أن يهدد من امتنع عن المبايعة إرادة للخلافة على المسلمين(شرح نهج البلاغة:16/272 وقال المعلق: نقله المرتضى في الشافي:234 ـ 235)

 

25. الجويني و «فرائد السمطين»

إبراهيم بن محمد الحديد المعروف بالجويني (المتوفّـى عام 722هـ) من مشايخ الذهبي، يقول في حقه: إمام، محدث، فريد، فخر الإسلام وصدر الدين(معجم شيوخ الذهبي:125 رقم الترجمة156)

فقد روى في كتاب فرائد السمطين بالسند المذكور فيه عن ابن عباس، انّ رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السَّلام)، فلما رآه بكى، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بُنيّ فمازال يُدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى. ثمّ أقبل الحسين (عليه السَّلام) فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بُنيّ، فمازال يُدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليُسرى. ثمّ أقبلت فاطمة (عليها السَّلام)، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بُنيّة فاطمة، فاجلسها بين يديه. ثمّ أقبل أمير المؤمنين علي (عليه السَّلام)، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليّ إليّ يا أخي، فمازال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه يا رسول اللّه! ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت! أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلائق على اللّه عزّوجلّ و ما على وجه الأرض نسمة أحبَّ إليَّ منهم.

إلى أن قال: وأمّا ابنتي فاطمة فانّها سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني،وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الانسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله، زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.

ويقول اللّه عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي، ترعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أُشهدكم انّي قد أمّنت شيعتهامن النار. وانّي لما رأيتها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي كأنّي بها و «قد دخل الذُّل بيتها وانتهكت حرمتها وغصب حقّها، ومنعت إرثها،وكُسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث(فرائد السمطين:2/34 ـ 35، ط بيروت)

 

26. الذهبي و «تاريخ الإسلام»

يقول شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (المتوفّى 748هـ) في كتاب تاريخ الإسلام:

 

روى علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبدالرحمن عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، وقد رواه الليث بن سعد عن علوان عن صالح نفسه، قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه فسلمت عليه وسألته كيف أصبحت؟ فقال: بحمد اللّه بارئاً، إلى أن قال: ثمّ قال: انّي لا آسى على شيء إلاّعلى ثلاث فعلتهن وثلاث لم أفعلهن، وثلاث وددت أنّي سألت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عنهن: وددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وأن أُغلق عليّ الحرب، وددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة(تاريخ الإسلام:3/117 ـ 118)

 

27. نور الدين الهيتمي و «مجمع الزوائد»

أخرج الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيتمي (المتوفّى سنة 807هـ) في كتابه مجمع الزوائد و ضبع الفوائد في باب كراهة الولاية ولمن تستحب.

 

روى وقال: فعن عبد الرحمن بن عوف، قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفي فيه وسلمت عليه وسألته كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً وقال: أصبحت بحمد اللّه بارئاً ـ إلى أن قال: ـ أمّا انّي لا آسى على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهن وددت انّي لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وددت انّ فعلتهن، وثلاث وددت انّي سألت رسـول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عنهن.

فأمّا الثلاث التي وددت انّي لم أفعلهنّ فوددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وان اغلق على الحرب، وددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق الرجلين أبو عبيدة أو عمر و كان أمير المؤمنين وكنت وزيراً.

(مجمع الزوائد:5/202 ـ 203)

 

28. ابن حجر العسقلاني ولسان الميزان

أخرج الإمام الحافظ شهاب الدين أبو الفضل المعروف بالعسقلاني (المتوفّى سنة 852هـ) في كتابه لسان الميزان بسنده عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، قال:

 

دخلت على أبي بكر أعوده فاستوى جالساً فقلت: أصبحت بحمد اللّه بارئاً، فقال أبو بكر: أمّا إنّي على ماترى بي... انّي لا آسى على شيء إلاّعلى ثلاث وددت انّي لم أفعلهن وددت انّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أُغلق على الحرب، وددت انّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدة أو عمر فكان أميراً وكنت وزيراً(لسان الميزان:4/188 ـ 189)

 

29. المتقي الهندي و «كنز العمال»

روى علاء الدين المتقي الهندي (المتوفّى عام 975هـ) في كنز العمال حديث عبد الرحمن بن عوف بنحو مفصل، وقال:

 

عن عبد الرحمن بن عوف انّ أبا بكر الصديق، قال له في مرض موته: إنّي لا آسى على شيء إلاّعلى ثلاث فعلتهن ووِددت انّي لم أفعلهن وثلاث لم أفعلهن ودِدت انّي فعلتهن، وثلاث وددت انّي سألت رسول اللّه عنهن، فأمّا اللاتي فعلتها ووددت انّي لم أفعلها فوددت انّي لم أكن أكشف بيت فاطمة وتركته وإن كانوا قد غلقوه على الحرب...(كنز العمال:5/631، رقم الحديث14113)

 

 

30. عبد الفتاح عبد المقصود و كتاب «الإمام علي عليه السَّلام»

إنّ عبد الفتاح مؤلف كتاب «الإمام علي (عليه السَّلام)» أحد الكتّاب البارعين في العصر الحاضر، فقد جدّ وثابر وبذل جهود جبارة وأخذ زبدة المخض من الحقائق الناصعة وقدم بكتابه هذا خدمة مشكورة وقال في حادثة الدار:

 

إنّ عمر قال: والذي نفسي بيده، ليخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها.

قالت له طائفة ـ خافت اللّه، ورعت الرسول في عقبه ـ: يا أبا حفص انّ فيها فاطمة....

فصاح لا يبالي: وإن واقترب وقرع الباب، ثمّ ضربه واقتحمه...وبدا له عليّ.

ورنّ حينئذاك صوت الزهراء عند مدخل الدار.

فان هي إلاّ رنة استغاثة أطلقتها «يا أبت رسول اللّه...» تستعدي بها الراقد بقربها في رضوان ربّه عليعسف صاحبه، حتّى تبدّل العاتي المدل غير إهابه، فتبدّد على الأثر جبروته، وذاب عنفه وعنفوانه، وودّ من خزى لو يخرّ صعقاً تبتلعه مواطئ قدميه ارتداد هدبه إليه.

وعندما نكص الجمع، وراح يفرّ كنوافر الظباء المفزوعة أمام صيحة الزهراء، كان عليّ يقلّب عينيه من حسرة وقد غاض حلمه، وثقل همّه، وتقبضت أصابع يمينه على مقبض سيفه كهمّ من غيظه أن تغوص فيه

(عبد الفتاح عبد المقصود: الإمام علي عليه السَّلام:4/274 ـ 277.وله كلمة أُخرى في هذا الموضوع لاحظ الجزء1/192 ـ 193 لم نأت بها روماً للاختصار)

 

 

في الوثائق التاريخية

 

انّ هنا وثائق تاريخية تكشف عمّا جرى عليها من ظلم وقسوة وهضم حقّ ممّا يندى له جبين الإنسانية.

الوثيقة الأُولى:

احتجاج عروة بن الزبير بعمل الخليفة لتبرير فعل أخيه عبد الله الذي جمع الحطب لإحراق بني هاشم.

الوثيقة الثانية:

كتاب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عمر.

الوثيقة الثالثة:

الأحاديث الّتي رواها البخاري في كتاب «الخمس والمغازي».

الوثيقة الرابعة:

الخطبة الغرّاء لفاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ الّتي ألقتها في محتشد عظيم ضمّ المهاجرين والأنصار.

 

انّ ما ذكرناه من المصادر الجمّة يكفي في إثبات المقصود ولو أضفنا إليه ما ذكره مؤرّخو الشيعة ومحدّثوهم حول حوادث السقيفة، لأصبحت القضية من المتواترات بل الضروريات التي لا يشكّ فيها من له إلمام بالتاريخ.

وقد كانت القضية في العصور الأُولى من الأُمور المسلمة حتى أنّ بعض من تلطّخت أيديهم بدماء المسلمين أخذوا يبرّرون ما يقترفونه بعمل الخليفة، وإليك هذه الوثائق التاريخية.

 

الوثيقة الأُولى

روى المسعودي «انّ ابن الزبير عمد إلى مكة من بني هاشم، فحصرهم في الشعب، وجمع لهم حطباً عظيماً لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد، وفي القوم محمد بن الحنفية.

ثمّ قال وحدّث النوفلي في كتابه في الاخبار، عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حماد بن سلمة، قال: كان عروة بن الزبير يعذِّر أخاه إذا جرى ذكرُ بني هاشم وحصره إياهم في الشعب وجمعه لهم الحطب لتحريقهم، ويقول: إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته إذا هم أبوا البيعة فيما سلف، وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا،وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب «حدائق الأذهان».

 

ونقله ابن(مروج الذهب:3/77، ط دار الأندلس) أبي الحديد أيضاً وقال: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد اللّه في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول: إنّما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة، فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لمّا تأخروا عن بيعة أبي بكر، فانّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار

(شرح نهج البلاغة:20/147)

 

الوثيقة الثانية

وروى البلاذري قال: لما قتل الحسينعليه السَّلام كتب عبد اللّه بن عمر إلى يزيد بن معاوية:

 

أمّا بعد، فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.

فكتب إليه يزيد: أمّا بعد، يا أحمق، فانا جئنا إلى بيوت مجدَّدة، وفرش ممهدة، ووسادة منضّدة، فقاتلنا عنها فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا. وإن كان الحقّ لغيرنا، فأبوك أوّل من سنّ هذا، واستأثر بالحقّ على أهله

(نهج الحق وكشف الصدق:356، علق عليه فرج اللّه الحسيني، مكتبة المدرسة. نقله عن الأنساب للبلاذري)

 

الوثيقة الثالثة

إنّ هناك قرائن وشواهد تدل بوضوح على أنّ سيدة نساء العالمين استقبلت بعد رحيل أبيها حوادثَ مريرة من قبل من تسنّم منصة الخلافة، ويدل على ذلك الأُمور التالية:

 

أ. انّ فاطمة هجرت أبا بكر ولم تكلمه إلى أن ماتت.

أخرج البخاري في كتاب الخمس «فغضبت فاطمة بنت رسول اللّه فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت»( صحيح البخاري:4/42، دار الفكر، بيروت)

وأخرج في كتاب الفرائض وقال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت(صحيح البخاري:8/30، دار الفكر، بيروت)

وذكر في كتاب المغازي في باب غزوة خيبر قوله: فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت(صحيح البخاري:5/82، دار الفكر، بيروت)

فما ظنك بروايات يرويها الإمام البخاري، وما هذا إلاّ لأنّها انتهكت حرمتها حتى لاذت بقبر أبيها، و قالت:

ماذا على من شمّ تربة أحمد   لاّ يـشـم مـدى الزمان غواليا

صُبَّت عليَّ مصائب لو أنّها        صُبَّت على الأيّام صرن ليالياً(وفاء الوفا:2/444)

 

ب. انّ عليّاً لما جهز فاطمة الزهراء وأودعها في قبرها، هاج به الحزن، وخاطب الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقال:

«ستنبّئك ابنتك بتضافر أُمّتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر»( نهج البلاغة:الخطبة 202)

كلّ ذلك يعرب عن أنّها (عليها السَّلام) ماتت مظلومة، مقهورة، مغصوبة الحقّ.

 

ج. انّها دفنت ليلاً بإيصاء منها، فما هو السرّ في هذا الإيصاء.

قال البلاذري بعد ذكره السند: انّ علياً دفن فاطمة (عليها السَّلام) ليلاً، إلى أن قال: وأوصت فاطمة (عليها السَّلام) أن تحمل على سرير طاهر، فقالت لها أسماء بنت عميس: اصنع لك نعشاً كما رأيت أهل الحبشة يصنعون فأرسلت إلى جريد رطب فقطعته، ثمّ جعلت لها نعشاً، فتبسمت ولم تر متبسمة بعد وفاة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّساعتها تيك، وغسلها عليّ، وأسماء، وبذلك أوصت ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها(أنساب الأشراف:1/405)

 

الوثيقة الرابعة: خطبة الزهراء عليها السَّلام بعد وفاة أبيها

 

وممّا يدلّ على أنّها ماتت مقهورة، مظلومة، مغصوبة الحقّ، هي خطبتها المعروفة التي هي في غاية الفصاحة والبلاغة، والمتانة وقوة الحجة، وهي من محاسن الخطب وبدائعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، قد أوردها الموالف والمخالف وسيوافيك اسنادها في آخر الخطبة.

روى المؤرخون والمحدِّثون انّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فدكاً وبلغ فاطمة (عليها السَّلام) لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها(الحَفَدُ والحفدة: الأعوان والخدمة. لسان العرب:3/153) ونساء قومها، تطأ ذيولها(تطأ ذيولها: قال المجلسي (قدَّس سرَّه): أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها وتضع عليها قدمها عند المشي، وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدّد الثياب ـ بحار الأنوار)، ما تخرم مشيتها مشية [أبيها ]رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)( وقال أيضاً: الخرم: الترك والنقص والعدول، والمشية بالكسر: الاسم من مشى يمشي مشياً أي لم تنقص مشيتها من مشيه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) شيئاً كأنّه هو بعينه ـ نفس المصدر)

حتّى دخلت على أبي بكر وهو في حشد(الحَشْدُ: الجماعة ـ لسان العرب:3/150) من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت(النوط: ما علّق ـ لسان العرب:7/418) دونها ملاءة(الملاء بالضمّ والمدّ: جمع ملاء وهي الإزار والربطة ـ النهاية:4/352 والمراد منه: أي ضربوا بينهاعليها السَّلام وبين القوم ستراً وحجاباً)، فجلست، ثمّ أنَّت أنَّةً أجهش(الجَهْشُ: أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء، كالصبيّ يفزع إلى أُمّه وقد تهيّأ للبكاء ـ الصحاح:3/999) القوم لها بالبكاء، فارتجّ (الارتجاج: الاضطراب. يقال ارتجّ البحر: اضطرب ـ لسان العرب:2/282) المجلس، ثمّ أمهلت هُنيئة حتّى إذا سكن نشيج(النشج: الصوت مع توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاءه في صدره ـ مجمع البحرين) القوم وهدأت(هدأ كمنع: سَكَنَ ـ لسان العرب:1/180) فورتهم(الفور: الغليان والاضطراب ـ مجمع البحرين)، افتتحت الكلام بحمد اللّه تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السَّلام:

الحمد للّه على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلاّاللّه وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في التفكّر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة(يقال احتذى مثاله: أي اقتدى به ـ الصحاح:6/2311) امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له فـي تصويرهـا، إلاّ تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريّته وإعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثـواب على طاعته، ووضـع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشته (قال المجلسي (قدَّس سرَّه): الذود والذياد، بالذال المعجمة: السوق والطرد والدفع والإبعاد. وحشت الصيد أحوشه: إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة، ولعلّ التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عمّا يوجب دخول الجنّة ـ بحار الأنوار) لهـم إلـى جنته.

وأشهد أنّ أبي، محمّداً[النبيّ الأُمّي] (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسمّـاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة(وقال المجلسي (رحمه الله) أيضاً: لعلّ المراد بالستر ستر العدم، أو حجب الأصلاب والأرحام، ونسبته إلى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود وعوائقه)، ويحتمل أن يكون المراد أنّها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم إذ هي إنّما تلحقها بعد الوجود.

 وقيل: التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظّلمات ـ نفس المصدر.

وبنهاية العدم مقرونة، علماً من اللّه تعالى بم آيل الأُمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور.

ابتعثه اللّه إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأُمم فرقاً في أديانهم، عُكَّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة للّه مع عرفانها، فأنار اللّه بأبي، محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بهمها(البُهَمْ جمع بهمة بالضمّ، وهي مشكلات الأُمور ـ النهاية:1/168)، وجلا عن الأبصار غممها(الغُمَمُ: جمع الغمّة، يقال: هو في غمّة أي في حيرة ولبس ـ مجمع البحرين)، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدّين القويم، ودعاهم إلى الصّراط المستقيم.

ثمّ قبضه اللّه إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من تعب هذه الدار في راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار، ورضوان الربّ الغفّار، ومجاورة الملك الجبّار، صلّى اللّه على أبي، نبيّه وأمينه على الوحي، وصفيّه [في الذّكر ]وخيرته من الخلق ورضيّه،والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته.

ثمّ التفتتعليها السَّلام إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد اللّه نصب(النَّصبُ والنُّصُبُ: العَلَمُ المنصوب ـ لسان العرب:1/759) أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمناء اللّه على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأُمم، وزعمتم حقّ لكم، للّه فيكم عهد، قدّمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم: كتاب اللّه الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللاّمع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤدّ إلى النجاة استماعه، به تنال حجج اللّه المنوّرة، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المحذرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.

فجعل اللّه الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام[وذلاًّ لأهل الكفر والنفاق]، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرّ الولدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة(النّسء: تأخير في الوقت ـ المفردات:492)في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء،

والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللّعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم اللّه الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتّقوا اللّه حقّ تقاته، ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون، وأطيعوا اللّه فيما أمركم به و[ما ]نهاكم عنه، فإنّه إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء.

ثمّ قالت: أيّها الناس اعلموا: إنّي فاطمة وأبي محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، أقول عَوداً وبدواً ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً(يقال: شطّ فلان في حكمه شطوطاً وشططاً: جار وظلم ـ المصباح:1/377)، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تعزوه(قال المجلسي (رحمه الله): يقال عزوته إلى أبيه أي: نسبته إليه. أي إن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي ـ بحار الأنوار)وتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين(وقال أيضاً: الصّدع: الإظهار، تقول: صدعت الشيء: أي أظهرته وصدعت بالحق: إذا تكلمت به جهاراً. والنذارة بالكسر: الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف. والمدرجة: المذهب والمسلك ـ نفس المصدر)، ضارباً ثَبَجهم(الثَّبَجُ بالتحريك: وسط الشيء ومعظمه ـ النهاية: 1/206)، آخذاً بأكظامهم(الكَظَمُ بالتحريك: مخرج النَّفَس من الحلق ـ مجمع البحرين، لسان العرب:12/520)، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتّى تفرّى(تفرّى: أي انشق، يقال تفرّى الليل عن صبحه ـ الصحاح:6/2454) الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق(الشقاشق: جمع شِقْشِقَة بالكسر ـ وهي شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج ـ لسان العرب:10/185) الشياطين، وطاح(طاح: هلك وسقط ـ مجمع البحرين)وشيظ النفاق(قال المجلسي (قدَّس سرَّه): الوشيظ بالمعجمتين: الرذل والسّفلة...وفي بعض النسخ: الوسيط بالمهملتين: أشرف القوم نسباً و أرفعهم محلاً وهـو أيضاً مناسـب ـ بحار الأنوار)، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم(فاه الرجل بكذا، يفوه: تلفّظ به ـ المصباح:2/161) بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(قال المجلسي (رحمه الله): البيض: جمع أبيض وهو من الناس خلاف الأسود والخماص بالكسر جمع خميص والخماصة: تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام يقال: فلان خميص البطن من أموال الناس: أي عفيفٌ عنها والمراد بالبيض الخماص: إمّا أهل البيت (عليهم السَّلام) ويؤيده ما في كشف الغمة:2/111: في نفر من البيض الخماص الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.  ووصفهم بالبيض لبياض وجوههم... وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلة الأكل أو لعفّتهم عن أكل أموال الناس بالباطل. أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان (رضي اللّه عنه) و غيره ويقال لأهل فارس: «بيض» لغلبة البياض على ألوانهم وأموالهم، إذ الغالب في أموالهم الفضّة... والأوّل أظهر ـ بحار الأنوار.) (الَّذينَ أَذْهَبَ اللّه عَنْهُمُ الرِّجس وَطَهَّرهُمْ تَطْهِيراً)

 

أسناد الخطبة

 

روى الخطبة غير واحد من المحدِّثين والمؤرخين نذكر من وقفنا عليه حسب التسلسل التاريخي:

 

1. أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (204 ـ 280هـ)

قال الإمام أبو الفضل في كتاب «بلاغات النساء»: ذكرت لأبي الحسين(ربما يتصوّر وجود السقط في السند لأنّ صاحب البلاغات لم يدرك زيداً الشهيد (أعيان الشيعة:1/315) ويحتمل أن يكون المراد من أبي الحسين هو زيد الأصغر الذي هو من أصحاب الهادي، انظر تهذيب التهذيب:30/420 وإرشاد المفيد، ص 332، ولاحظ تعليقة الشافي للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب:4/76.) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم كلام فاطمة (عليها السَّلام) عند منع أبي بكر إيّاها فدك، وقلت له: إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع وأنّه من كلام أبي العيناء «الخبر منسوق البلاغة على الكلام» (يعني انّ الطعن هو في نسبة هذا الكلام البليغ إلى فاطمة عليها السَّلام، أمّا نفس الواقعة وهي منع الإرث فهي صحيحة ومبثوثة في كتب التاريخ)

فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلّمونه أبناءهم، وقد حدّثنيه أبي عن جدّي يبلغ به فاطمة (عليها السَّلام) على هذه الحكاية، ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جدّ أبي العيناء، وقد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنّه سمع عبد اللّه بن الحسن يذكره عن أبيه، ثمّ قال أبو الحسين وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة يتحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت، ثمّ ذكر الحديث، قال:

لما أجمع أبو بكر (رحمه الله) على منع فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعليها فدك وبلغ ذلك فاطمة لاثت خمارها على رأسها، وأقبلت في لمة من حفدتها...( بلاغات النساء:23ـ33)

 

2. أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (المتوفّى 323هـ)

روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، الخطبة برمتها في كتابه «السقفية» ص 97 ـ 101، وقد رواها عنه غير واحد من الأعلام كابن أبي الحديد في شرح النهج، والإربلي في «كشف الغمة» كما سيوافيك.

 

3. الشريف المرتضى(355 ـ 436هـ)

قال الشريف المرتضى في مقام الرد على القاضي عبد الجبار مؤلف المغني: روى أكثر الرواة الذين لا يتهمون بتشيّع ولا عصبية فيه من كلامها (عليها السَّلام) في تلك الحال، بعد انصرافهاعن مقام المنازعة والمطالبة ما يدلّ على ما ذكرناه من سخطها وغضبها، ونحن نذكر من ذلك ما يستدلّ به على صحة قولنا.

أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن عمران المرزباني قال: [حدثني محمد بن أحمد الكاتب]، حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال: حدثنا الزيادي، قال: حدثنا الشرقي بن القطامي، عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة.

قال المرزباني: وحدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي قال:حدثنا أبو العينا محمد بن القاسم السيمامي، قال: حدثنا ابن عائشة قال: لما قبض رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أقبلت فاطمة (عليها السَّلام) في لمة من حفدتها إلى أبي بكر، وفي الرواية الأُولى.

قالت عائشة: لما سمعت فاطمة (عليها السَّلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها [ثم اجتمعت الروايتان في هاهنا] ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة ثمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء وارتج المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بالحمد للّه

عزّوجلّ والثناء عليه والصلاة على رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ثمّ قالت:...( الشافي في الإمامة:4/69 ـ 77)

 

4. محمد بن علي بن الحسين الصدوق(306 ـ 381هـ)

ذكر الشيخ الصدوق في معاني الأخبار خطبة أُخرى يقرب مضمونها مع تلك الخطبة (معاني الأخبار:354)، رواها بسندين.

 

5. محمد بن الحسن الطوسي(385 ـ 460هـ)

ذكر شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي الطائر الصيت مؤلف تفسير «التبيان في تفسير القرآن» في عشرة مجلدات، في أماليه خطبة أُخرى يقرب مضمونها مع تلك الخطبة باسناده عن الحفّار، قال: حدثنا الدعبلي، قال: حدثنا أحمد بن علي الخزّاز، قال: حدثنا أبو سهل الرفا، قال: حدثنا عبد الرزّاق. قال الدعبلي: وحدثنا أبو يعقوب: إسحاق بن إبراهيم الديري، قال: حدثنا عبدالرزّاق، قال: أخبرنا معمّر عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، قال: دخلن نسوة من المهاجرين والأنصار...(أمالي الطوسي:384، المجلس الثالث عشر)

 

6. ابن أبي الحديد (المتوفّـى 655هـ)

رواها المؤرخ المحقّق في شرحه على نهج البلاغة عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري قال:

قال أبو بكر: فحدّثني محمّد بن زكريا قال: حدّثني جعفر بن محمد بن عُمارة الكنديّ قال: حدثني أبي، عن الحسين بن صالح بن حيّ، قال: حدثني رجلان من بني هاشم، عن زينبَ بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام). قال: وقال جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه. قال أبوبكر: وحدّثني عثمان بن عمران العجيفيّ، عن نائل بن نجيح بن عمير بن شَمِر، عن جابر الجُعفيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليه السَّلام)، قال أبو بكر: وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد، عن عبد اللّه بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد اللّه بن حسن بن الحسن. قالوا جميعاً: لمّا بلغ فاطمة (عليها السَّلام) إجماعُ أبي بكر على منعها فَدَك، لاثتْ خِمارَها، وأقبلت في لُمّة من حَفَدَتِها ونساء قومها، تطأ في ذيولها، ما تخرم مشْيتها مشْية رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حتّى دخلت على أبي بكر.( شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد:16/211)

 

7. أبو الحسن الإربلي (المتوفّـى 693هـ)

روى أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي في كتاب «كشف الغمة» وقال: «حيث انتهى بنا القول إلى هنا، فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السَّلام) وقد أوردها الموالف والمخالف ونقلتُها من كتاب «السقيفة» تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها، وقرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، روى رجاله عن عدّة طرق انّ فاطمة (عليها السَّلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها(كشف الغمة:1/108 ـ 116)

ولنقتصر بهذا المقدار من الاسناد، فلو أردنا الاستقصاء، لطال بنا الكلام، ولطال موقفنا مع القراء.

 

*  *  *

 

ونختم الرسالة بالسلام على الصدّيقة الشهيدة الممنوع إرثها،

المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها

سلاماً، لا بداية له ولا نهاية.

 

جعفر السبحاني                 

قم ـ مؤسسة الإمام الصادق (عليه السَّلام)   

29 / ذي الحجة الحرام من شهور عام 1421هـ.

 

صلاة التراويح / التراويح من فعل عمر لا من سنة النبي(ص)


بسم الله الرحمن الرحيم


الـســؤال

لماذا الشيعة لا يصلون صلاة التراويح و كثير من صلوات السنة لانه من هذا المنطلق أهل السنة يسمون الشيعة بالروافض لانه على حد قولهم ان الشيعة يرفضون اتباع سنة الرسول صلى الله عليه و سلم؟

 

الجواب

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الله تعالى فرض على عباده الفرائض وأوحى بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لتبليغ ذلك إلى أمته ، فكل صلاة وصيام وحج وزكاة إلى آخرها من الفرائض كانت عن الله تعالى أوحاها إلى نبيه وبلّغها بدوره إلى أمته ، وهكذا فان أية عبادة تسمى توقيفية أي تتوقف مشروعيتها على استئذان الشارع واعتباره إياها ، وما عدا ذلك من صلاة إذا لم تكن من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مشرّعة فإنها بدعة ، والبدعة هي إدخال ما ليس في الدين في الدين . وعندها فان العبادة التي لم يشرعها الشارع تعد غير مشروعة وغير معتبرة ، ومن يدري فلعل ما نفعله دون إذن الشارع من العبادة التي هي التقرب إلى الله تعالى ستكون مبعّدة عن الله تعالى بل سننال سخطه وغضبه .

ومن هنا فإن الشيعة الإمامية لا تتعدى النص الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في احداث أية عبادة لم يأمر بها (صلى الله عليه وآله وسلّم) وليس لأحد الحق في تشريع عبادة معينة ، فإذا شرعها أحد دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) صارت تلك العبادة بدعة واستحق بذلك سخط الله تعالى وغضبه .

وهكذا هي صلاة التراويح فلم يرد فيها نص قرآني ولا حديث نبوي حتى يمكننا أن نقول بشرعية هكذا عبادة ، أما إذا كانت مستندة إلى اجتهاد رجل ورأي يرتأيه فهذا ما لا تعتبره الإمامية مشروعاً ، بل تعتبره بدعة .

واليك ممن اعترف بأن صلاة التراويح هي ليست من سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بل هي فعل عمر بن الخطاب وهو أول من سنها :

1- نص الباجي والسيوطي والكتواري وغيرهم على أن أوّل من سن التراويح عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة . (راجع محاضرة الأوائل ص 149) .

2- إن أول من جمع الناس على التراويح عمر . (نفس المصدر ص 98 . وشرح المواهب للزرقاني) .

3- إن إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر وأنها بدعة حسنة . (راجع طرح التثريب 3/92) .

وراجع كذلك في كون صلاة التراويح ليست سنة نبوية : (الاستيعاب لابن عبد البر 2/460 ، وتاريخ الخلفاء ص 137 ، والأوائل للعسكري ص 112 ، والطبقات الكبرى لابن سعد 3/281 ، وصحيح البخاري كتاب الصوم صلاة التراويح 3/58 ، وصحيح مسلم 1/523 حديث 759 كتاب الصلاة باب الترغيب في قيام رمضان) .

ودمتم سالمين



الـســؤال

ما هو دليل العامة على مشروعية صلاة التراويح، وما هو ردنا العلمي على ذلك ؟

 

الجواب

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابتدع أهل السنة صلاة التراويح، وهي قيام ليالي شهر رمضان جماعة . ودليلهم أن عمر بن الخطاب هو الذي جمع الناس على إمام واحد ولم يشرعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولم يسنها بل كانت سنة عمر . على أن عمر بن الخطاب قال معترفاً بأنها ليس من تشريع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بل هي بدعةً ابتدعها إلاّ أنه وصفها أنها بدعة حسنة .

قال عبد الرحمن بن عبد القاري : ((خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط . فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه في ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمت البدعة هذه ... )) (فقه السنة للسيد سابق 226:1).

هذا هو دليلهم ، فلم يكن لهم دليل آخر سوى ما ابتدعه عمر !! (راجع محاضرة الأوائل : 198 وشرح المواهب للزرقاني 149:7).

على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان قد نهى عنها!

وإليك ما رواه البخاري : حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا وهيب قال : حدثنا موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر عن يسر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اتخذ حجرة قال : حسبت إنه قال من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي ، فصلى بصلاته ناسٌ من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة . (البخاري كتاب الصلاة باب صلاة الليل 186:1 دار الفكر) .

وأنت ترى صراحة نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الإتيان بهذه الصلاة ، ومن ثم اعترف عمر بأنها لم تسن من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بل ابتدعها من عنده ، علماً أن البدعة: (الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال) . وقال ابن السكيت : ((البدعة كل محدثه)) (راجع لسان العرب لابن منظور باب بدع) .

ومن الغريب تقسيم ابن الأثير البدعة إلى بدعتين: بدعة هدى، وبدعة ضلال!!

وقال : فما كان خلاف ما أمر الله به ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهو في حيز الذم والإنكار ... إلى أن قال : ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه : نعمت البدعة هذه ، لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدحها لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يسنها لهم ...انتهى كلام ابن الأثير.

وهذا كما ترى من غريب ما يعتذر به! فاعترافه بدعة وإنها لم يأمر بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولم يسنها دليل كاف على أنها بدعة، و(كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) هذا ما رووه أهل السنة فضلاً عن الشيعة . فكيف تكون بعد ذلك البدعة نوعان بدعة هدى وبدعة ضلال؟!

وهذا العذر يمكن أن يعتذر به كل أحد، فإذا قلنا للسارق لماذا سرقت قال السرقة نوعان: سرقة حرام وسرقة حلال ، وهذه سرقتي حلال فعلتها طلباً لقوت أطفالي ، وهكذا الزنا نوعان: زنا حلال وزنا حرام فإن الزاني يحتج أنه يزني للترفيه عن نفسه، وهكذا يمكن أن تفتح باباً للاعتذار عن كل ذنب ومعصية ، ولا يحق لأحد الاعتراض عليه بعد ذلك .

على أنه يمكن لأي أحد أن يبتدع صلاةً معينة أو عملاً معيناً ويقول هي بدعة، ولكن نعمت البدعة هذه ... كما فعل من قبلي عمر .

وأنت تعلم أيها الأخ ، أن العبادة أمرٌ توقيفي أي أنها موقوفة من قبل الشارع فما لم يأمر به الشارع فلا يجوز الإتيان به ، فكيف نتعبد بأمر نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ؟!

أليس العبادة هي التقرب إلى الله تعالى ، فكيف نتقرب إلى الله بشيء مبغوض؟! فإن الأمر المنهي عنه مبغوض عند الله إذ لا ينهي النبي عن شيء إلاّ كونه مبغوض فكيف نتقرب إلى الله بشيء مبغوض؟!

وهل فات النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تشريع صلاة التراويح إذا كانت مندوبة عند الله ومطلوبة ، فهل غفل عن ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسبقه إلى ذلك عمر ؟! سؤال نطرحه إلى كل من رأى محبوبية صلاة التراويح وتشريعها . فإننا أتباع سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وليس سنة أحد ، فكل سنة دون سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

أعاذنا الله وإياك من البدع ووفقنا لسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

ودمتم سالمين

 

عبد الله / الكويت ( عبد الله ــ الكويت / (تعقيب) )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبه , وبعد

وأقول : لقد تقدم القول إنّ البدعة في المعنى الاصطلاحي الشرعي هي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وهذا التعريف ـ أي الإدخال في الدين ـ يحتمل معنى الزيادة ومعنى الإنقاص أيضاً .

ونبدأ بتعريف صلاة التراويح :

هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان , وإنما سميت (تراويح) للاستراحة فيما بعد كل أربع ركعات .

نبحث بما روى عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : (أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة بدعة , فلا تجمعوا ليلاً في شهر رمضان في النافلة ولا تصلوا صلاة الضحى , فإن قليلاً في سنّة خير من كثير في بدعة , ألا وإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار) . المصدر: (نصّ الباجي والسيوطي، والسكتواري على أن أول من سن التراويح عمر بن الخطاب، كما في محاضرات الأوائل، ص149، في طبع 1311هـ وفي ص98، طبع سنة 1300هـ. وفي شرح المواهب للزرقاني، ج7، ص149 وجاء في الشافي، ج4، ص219، وسنن أبي داود، ج2، ص261، ومقدمة سنن ابن ماجة، ص46).

وروى ابن الأثير في (جامع الأصول) عن زيد بن ثابت قال : احتجر النبي صلى الله عليه [ وآله ] حجيرة بخصفه أو حصير، قال عفاف في المجد وقال عبد الأعلى في رمضان، فخرج رسول الله صلى الله عليه [وآله] يصلي فيها، قال: فتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته قال ثم جاءوا إليه فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه [وآله] عنهم فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه [وآله] مغضباً، فقال لهم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة . المصدر: (جامع الأصول لابن الأثير، الحديث 4218، الجزء 6، ص118-119. سنن أبي داود 2/ 69).

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل فقام أيضا، حتى كنا رهط، فلما أحس النبي (صلى الله عليه وآله) أنّا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال قلنا له حين خرج: أفطنت بنا الليلة؟ قال: نعم، ذلك الذي حملني على ما صنعت . المصدر: (أورده مسلم في صحيحه كتاب الاعتصام باب النهي عن الوصال في الصوم حديث 1104، وأخرجه ابن الأثير في جامع الأصول الحديث 4216 ومعنى قوله جعل يتجوز في الصلاة، أي خففها (صلى الله عليه وآله)).

في (جامع الأصول) عن أبي سلمة أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه [وآله] في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسألوا عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً، فقلت يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة أن عيني تنامان ولا ينام قلبي . المصدر: (وكذلك في البخاري 1/ 343 ـ مسلم 1/ 524 ح177).

وجاء في (كنز العمال) : (سئل عمر عن الصلاة في المسجد فقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الفريضة في المسجد ، والتطوّع في البيت). المصدر : (كنز العمّال ، لعلاء الدين الهندي 8 : 384 | 23363 ).

ومثل هذه الأحاديث الصحيحة كثيرة جداً في كتب أرباب الحديث، ولكن الغريب أن بعضهم قال أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتى بها ثم تركها من غير نسخ، وهو يتعارض مع قوله عليكم بالصلاة في بيوتكم، وقوله (صلى الله عليه وآله) ذلك الذي حملني على ما صنعت، وغضبه لاجتماعهم في النافلة، لا يعني مطلقاً أن التراويح كانت عملاً جائزاً.

والأغرب من هذا كله أن كل كتب الحديث وكتب التاريخ على الإطلاق تقول أن صلاة التراويح من مبدعات عمر بن الخطاب.. فلماذا هذه الدعاوى وهذه التعاليل؟!

ولذا فإن صلاة التراويح لم يشرعها الشارع المقدس، بل هي بدعة.. وقد روى البخاري ومسلم عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من رغب عن سنتي فليس مني ).

ومن أقول علماء أهل السنة والجماعة بأن صلاة التراويح هي من فعل عمر بن الخطاب وليس من عمل بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

قال العلامة: القسطلاني في أول الصفحة الرابعة من الجزء الخامس من (إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري) عند بلوغه إلى قول عمر في هذا الحديث: نعمت البدعة هذه، هذا لفظه: سماها بدعة لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يسن لهم الاجتماع لها، ولا كانت في زمن الصديق. ولا أول الليل، ولا هذا العدد الخ. وفي (تحفة الباري) وغيره من شروح البخاري مثله، فراجع.

وقال العلامة أبو الوليد محمد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 33 من (تاريخه روضة المناظر): هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، وأول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح. الخ.

ولما ذكر السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء) أوليات عمر نقلاً عن العسكري، قال: هو أول من سمي أمير المؤمنين، وأول من سن قيام شهر رمضان – بالتراويح - وأول من حرم المتعة، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات. الخ.

وقال محمد بن سعد – حيث ترجم عمر في الجزء الثالث من الطبقات-: وهو أول من سن قيام شهر رمضان – بالتراويح - وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس بالمدينة قارئين قارئاً يصلي التراويح بالرجال وقارئاً يصلي بالنساء. الخ.

قال الزهري: فتوفي رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأمر على ذلك أنّ كلّ أحد يصلّي قيام رمضان في بيته منفرداً حتى جمع عمر الناس على أبيّ بن كعب، فصلّى بهم جماعة واستمرّ العمل على ذلك.

الشوكاني: قال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم، الأفضل فرادى في البيت لقوله(صلى الله عليه وآله): افضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. متفق عليه. وقالت العترة: إنّ التجمّع فيها بدعة».

أضف إلى هذا أن إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظها من البركة والشرف بالصلاة فيها، ويمسك عليها حظها من تربية الناشئة على حبها والنشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأمهات والأجداد والجدات، وتأثيره في شد الأبناء إليها شداً يرسخها في عقولهم وقلوبهم، وقد سأل عبد الله بن مسعود رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال (صلى الله عليه وآله): ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة. رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب الترغيب والترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري .

وعن زيد بن ثابت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. (رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه).

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم. وعنه (صلى الله عليه وآله) قال: مثل الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت. (أخرجه البخاري ومسلم).

وعن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا قضى أحد الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، وإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً. (رواه مسلم وغيره ورواه ابن خزيمة في صحيحه بالإسناد إلى أبي سعيد). والسنن في هذا المعنى لا يسعها هذا الإملاء.

وما روي عن ابن أبي الحديد أنَّ الإمام(عليه السلام) بعث الحسن(عليه السلام) ليفرّقهم عن الجماعة في نافلة رمضان.

ففي شرح النهج: روي أنَّ أمير المؤمنين(عليه السلام) لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم، فبعث إليهم إبنه الحسن(عليه السلام)، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب، وصاحوا: وا عمراه.

ومن خلال التأمل في الروايات المتقدمة تراها أجمعت على النهي عن أداء صلاة التراويح جماعة ، غاية الاَمر أنَّ بعض الروايات أرجعت النهي إلى أسباب خشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن (تكتب عليهم) أي أنْ تفرض عليهم فتكون جزءاً من التشريع بتلك الكيفية .

فأعترف بأنّها بدعة وخلاف السنّة وهم يروون عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار).

وأقول: لمن يريد الحق يراجع المصادر ويبعد عن التعصب والجاهلية وليعلم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال قال لأصحابه: ذَروني وما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا, ثم يقول في الحديث التالي: مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني قد عصى الله, ويقول القرآن: ((وَمَا آتَاكم الرَّسول فَخذوه وَمَا نَهَاكمْ عَنْه فَا نْتَهوا)) (سورة الحشر 59: 7) وقال أيضاً: ((يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا لَا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تبْدَ لَكمْ تَسؤْكمْ)) (سورة المائدة 5: 1 1)

وأسأل الله أن يجمعنا على كلمة الحق .

عبد الله ـ الكويت




الـســؤال

بعد الصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين , لماذا لم ينه الامام علي عليه السلام عن صلاة التراويح وصلاة القيام ( بطريقة الجماعة ) على الرغم من أنه سلام الله عليه لم تأخذه بالحق لومة لائم , وكان أول فعله عند استلامه حقه ( الخلافة ) أن عزل الولاة الظالمين ومنه الملعون معاوية بن أبي سفيان , حيث لم ينتظر أمير المؤمنين علي سلام الله عليه ان تثبت له اركان الخلافة ... فلم لم ينه عن هذه الصلاة البدعة ؟؟

 

الجواب

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لما ولي الامام علي (ع) أمور المسلمين , وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس الى الناس الى السنة النبوية الشريفة وحظيرة القرآن الكريم , وحاول جهده أن يزيل البدع التي أدخلت في الدين , ومنها صلاة التراويح , ولكن بعضهم صاح : واسنة عمراه!

روى ذلك ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة 12/283) حيث قال : وقد روي أن أمير المؤمنين (ع) لما اجتمعوا إليه بالكوفة , فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان , زجرهم وعرّفهم أن ذلك خلاف السنة , فتركوه واجتمعوا لأنفسهم , وقدموا بعضهم , فبعث اليهم ابنه الحسن (ع) , فدخل عليهم المسجد , ومعه الدرة , فلما رأوه تبادروا الأبواب , وصاحوا : واعمراه .(انظر كذلك الشافي 4/219 , تلخيص الشافي 4/52 , التهذيب للطوسي 3/70 ح 227 , وسائل الشيعة للحر العاملي 8/68 ح 10063 , الصراط المستقيم 3/26 ).

روي عنه (ع) أنه قال : ( قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله (ص) , متعمدين لخلافة , ناقضين لعهده , مغيرين لسنته , ولو حملت الناس على تركها ... إذاً لتفرقوا عني , والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة , وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة , فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنة عمر ! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً , ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ... ) (الكافي للكليني 8/51).

ودمتم في رعاية الله



الـســؤال

هل الرسول كان يصلي التروايح جماعة؟

 

الجواب

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم تكن صلاة التراويح تصلى جماعه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وانما كانت صلاة تطوع تصلى فراداً .

وان أول من جعلها هكذا هو عمر، حيث أمر بأخراج القناديل وأمر بأدائها جماعه وقال عنها: ((انها بدعه ونعمت البدعة هي))!!

ففي (صحيح البخاري ج2 ص252) عن عبد الرحمن بن عبد القاري انه قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ليله من رمضان الى المسجد فاذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليله اخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعم البدعة هذه...

ولقد خالف عمر بهذه الصلاة السنة النبوية وابتدع طريقة وكأنه لم يسمع ما يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كل بدعه ضلاله وكل ضلالة في النار) (سنن ابن ماجه: 1/15).

والدليل الذي يستدل به من يقول بأفضليه الجماعه على الافراد في صلاة التراويح هو اجماع الصحابه على فعلها جماعة (انظر المجموع ج4 ص35) ، ولاكنهم يقولون بعداله الصحابة وان سنة الصحابة كسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) يقتدى بها قالوا بأفضلية الجماعة على الافراد ، والا فهم يعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأمر بأدائها جماعة، والذلك تمسكوا بسنة الصحابة!

نعم، هناك رواية رواها أحمد عن أبي هريرة بأن رسول الله (ص) أقر صلاة التراويح ، حيث أنه خرج يوماً في رمضان والناس يصلون بصلاة أبي ، فقال: أصابوا ونعم صنعوا.

لكن هذه الرواية ضعفها كبار أئمتهم في الجرح والتعديل، فقد حكم أبو داود بضعفها في السنن ، وضعفها ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) وذكر تضعفها سببين الاول: ان في السند مسلم بن خالد وقد ضعفه البخاري والنسائي، وأبو حاتم وعلي بن المدني وغيرهم ، والثاني ان الحديث يذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد جمع الناس على أبي بن كعب بينما المشهور من الروايات أن عمر هو الذي صنع ذلك.

ودمتم في رعاية الله



الـســؤال

هل الرسول كان يصلي التروايح جماعة

 

الجواب

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم تكن صلاة التراويح تصلى جماعه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وانما كانت صلاة تطوع تصلى فراداً .

وان أول من جعلها هكذا هو عمر، حيث أمر بأخراج القناديل وأمر بأدائها جماعه وقال عنها: ((انها بدعه ونعمت البدعة هي))!!

ففي (صحيح البخاري ج2 ص252) عن عبد الرحمن بن عبد القاري انه قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ليله من رمضان الى المسجد فاذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليله اخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعم البدعة هذه...

ولقد خالف عمر بهذه الصلاة السنة النبوية وابتدع طريقة وكأنه لم يسمع ما يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كل بدعه ضلاله وكل ضلالة في النار) (سنن ابن ماجه: 1/15).

والدليل الذي يستدل به من يقول بأفضليه الجماعه على الافراد في صلاة التراويح هو اجماع الصحابه على فعلها جماعة (انظر المجموع ج4 ص35) ، ولاكنهم يقولون بعداله الصحابة وان سنة الصحابة كسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) يقتدى بها قالوا بأفضلية الجماعة على الافراد ، والا فهم يعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأمر بأدائها جماعة، والذلك تمسكوا بسنة الصحابة!

نعم، هناك رواية رواها أحمد عن أبي هريرة بأن رسول الله (ص) أقر صلاة التراويح ، حيث أنه خرج يوماً في رمضان والناس يصلون بصلاة أبي ، فقال: أصابوا ونعم صنعوا.

لكن هذه الرواية ضعفها كبار أئمتهم في الجرح والتعديل، فقد حكم أبو داود بضعفها في السنن ، وضعفها ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) وذكر تضعفها سببين الاول: ان في السند مسلم بن خالد وقد ضعفه البخاري والنسائي، وأبو حاتم وعلي بن المدني وغيرهم ، والثاني ان الحديث يذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد جمع الناس على أبي بن كعب بينما المشهور من الروايات أن عمر هو الذي صنع ذلك.

ودمتم في رعاية الله


http://www.alerfan.com/vb/showthread.php?t=55774

جميع الحقوق محفوظة لمركز الأبحاث العقائدية @ aqaed.com

الإفتراء على الشيعة في "تحريف القرآن" والجواب عنه


بسم اللّه الرحمن الرحيم


 


من الافترائات التي اتّهم أهل السنّة والجماعة ، الشيعة الإماميّة هو القول بالتحريف ، وقبل الورود في البحث فلابدّ من الإشارة إلى امور :



 
الشيعة لايخفى قرآنهم الذي يعتقدون به



 1 - إنّ الشيعة ليسوا طائفة قليلة تعيش في قرية نائية أو مجتمع مقفل ، حتى يخفى قرآنهم الذي يعتقدون به ويقرؤونه .



 بل هم ملايين الناس وعشرات الملايين ، يعيشون في أكثر بلاد العالم الإسلامي مدى القرون ، وهذه بلادهم وبيوتهم ومساجدهم وحسينياتهم ومدارسهم وحوزاتهم العملية ، لا توجد فيها إلا نسخة هذا القرآن .



 ولو كانوا لا يعتقدون به ويعتقدون بغيره دونه أو معه ، فلماذا يقرؤونه في بيوتهم ومراكزهم ومناسباتهم ولا يقرؤون غيره ؟ ولماذا يدرسونه ولا يدرسون غيره؟



 



 
مؤلّفات الشيعة في التفسير



 يمكن القول بأنّ عدد الشيعة عبر العصور المختلفة كان خمس عدد الأمّة الإسلاميّة ، وبقيّة المذاهب السنيّة أربعة أخماس .



 فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلّفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الأخرى خمس مجموع مؤلّفات إخوانهم السنّة .



 وإذا لاحظنا ظروف الإضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون ، ونكون منصفين ، نجد مؤلّفات الشيعة حول القرآن قد تزيد على الثلث!



 وقد أحصت دار القرآن الكريم في قم التي أسّسها مرجع الشيعة الراحل السيّد الكلبايكاني رحمه اللّه ، مؤلّفات الشيعة في التفسير فقط في القرون المختلفة ، فزادت على خمسة آلاف مؤلّف .



 فكيف يصحّ أن نعمد الى طائفة أسهموا على مدى التاريخ الإسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه . ونتهمهم بعدم الإيمان بالقرآن ، أو بأن عندهم قرآنا آخر! راجع : تدوين القرآن : 40 .



 



 
أقوال الفقهاء هي رأي الشيعة



 إنّ الدراسة الصحيحة في أيّ مذهب يبتني على المراجعة لمصادر هذا المذهب في الاعتقاد والفقه والحديث والأصول ومعرفة آراء علمائهم الذين تسالم أتباعهم على علميّتهم وصلاحيّتهم لتمثيل هذا المذهب ومعرفة مااتّفق عليه هؤلاء وما هو مشهور غير متفّق عليه ، وكذا معرفة طرقهم التي يعتمدونها في الأخذ عن مصادرهم الحديثيّة والتمييز بين الروايات الصحيحة والمعتبرة عن الضعيفة الشاذّة .



 ولا يحقّ لمن لم يلمّ بهذه المعرفة الضروريّة أن يدّعي أنّه أهل لعرض ونقد هذا المذهب فإنّ ادّعى ذلك فهو متجرّء متجاوز عن حدّه وكاشف عن جهله .



 ولايخفى أنّ رأي الشيعة في التحريف وعدمه هو رأي علماؤهم الخبراء بالمذهب الذين يميّزون ما هو جزء منه وما هو خارج عنه وهم الذين يُرجع إليهم ملايين الشيعة ويقلّدونهم ، ويأخذون منهم أحكام دينهم في كيفيّة صلاتهم وصومهم وحجّهم ، وأحكام زواجهم وطلاقهم وإرثهم ومعاملاتهم .



 وبعد هذه المقدمات نذكر أوّلاً : آراء علماء الشيعة وفقهائهم وكبار المجتهدين الذين يمثّلون الشيعة في كلّ عصر ، بحيث يعتبر قولهم رأي الشيعة ، وعقيدتهم عقيدة الشيعة .



 وثانياً : نشير إلى كتاب فصل الخطاب وقصد مؤلّفه من تأليفه هذا ، و ما كتب في ردّه .



 وثالثاً : آراء علماء أهل السنّة وأحاديثهم في التحريف .



 



 
آراء علماء الشيعة في عدم تحريف القرآن



 قال الشيخ الصدوق ( ت
381 ) : ( إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه على نبيّه محمد ( ع ) هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة . الاعتقادات للشيخ المفيد ص 84 ، واعتقادات الصدوق المطبوع مع شرح الباب الحادي عشر : 93 .



 قال الشيخ المفيد ( ت
413
) : وقد قال جماعة من أهل الإمامة : أنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين ( ع ) من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام اللّه تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وعندي أنّ هذا ا لقول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، واليه أميل ، واللّه أسأل توفيفه للصواب . أوائل المقالات 54 - 56 .



 قال الشريف المرتضى ( ت
436
) : إنّ القرآن كان على عهد رسول اللّه ( ص ) مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن . . . من خالف في ذلك من الإماميّة والحشويّة لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخبارا ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته . مجمع البيان : 1 / 15 نقلاً عن رسالته الجوابيّة الأولى عن المسائل الطرابلسيّات .



 قال الشيخ الطوسي ( ت
460
) : وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه ، فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه ، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا . . . . التبيان في تفسير القرآن : 1 / 3 .



 قال العلّامة الحلي ( ت
627
) : الحق أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ونعوذ باللّه من أمّة تعتقد مثل ذلك ، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة الرسول ( ص ) المنقولة بالتواتر . أجوبة المسائل المهناوية : 121 المسألة 13 .



 قال السيد محسن الأمين العاملي ( ت 1371 ) : لا يقول أحد من الإماميّة لا قديماً ولا حديثاً إنّ القرآن مزيد فيه . . . ومن نسب اليهم خلاف ذلك فهو كاذب ، مفتر ، مجترىء على اللّه ورسوله . أعيان الشيعة : 1 / 41 .



 قال السيد شرف الدين العاملي ( ت
1377
) : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن . . . فأقول : نعوذ باللّه من هذا القول ، ونبرأ إلى اللّه تعالى من هذا الجهل ، وكلّ من نسب هذإ؛!! الرأي إلينا جاهل بمذهبنا ، أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواتراً قطعيّاً عن أئمّة الهدى من أهل البيت ( ع ) لا يرتاب في ذلك إلّا معتوه . أجوبة مسائل جار اللّه : 34 .



 قال السيد أبو القاسم الخوئي ( ت
1414
) : إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلّا من ضعف عقله . البيان : 295 .



 قال السيّد الخميني ( ت
1409
) : إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه ، قراءة وكتابة ، يقف على بطلان تلك المزعمة ( التحريف ) وأنّه لا ينبغي أن يركن إليها ذو مسكة . تهذيب الأصول : 2 / 165 .



 راجع آراء علماء الشيعة كالمحقّق الأردبيلي ( ت
993 ) في مجمع الفائدة والبرهان : 2 / 218 ) والفيض الكاشاني ( ت1091 ) ، في تفسير الصافي : 1 / 33 والشيخ جعفر كاشف الغطاء ( ت1228 ) في كشف الغطاء : 298 كتاب الصلاة ، كتاب القرآن والشيخ البهائي ( ت1031
) في آلاء الرحمن : 1 / 26 .



 وهكذا راجع : رأي السيد البروجردي الطباطبائي ، والسيد محسن الحكيم الطباطبائي ، والسيد محمد هادي الميلاني ، والسيد محمد رضا الكلبايكاني ، والسيد محمد حسين الطباطبائي والشيخ لطف اللّه الصافي و . . . في كتاب « صيانة القرآن من التحريف » لمحمد هادي معرفة ، و « التحقيق في نفي التحريف » للسيد علي الميلاني .



 



 
الروايات الدالّة على التحريف ضعاف



 قال السيّد الخوئي : [لو قيل : ] إنّ الروايات المتواترة عن أهل البيت ( ع ) قد دلّت على تحريف القرآن فلا بدّ من القول به .



 والجواب : أنّ هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه .



 وتوضيح ذلك : أنّ كثيراً من الروايات ، وإن كانت ضعيفة السند ، فإنّ جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري ، الذي اتّفق علماء الرجال على فساد مذهبه ، وأنّه يقول بالتناسخ ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنّه كذّاب ، وأنّه فاسد المذهب ، إلّا أنّ كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ( ع ) ولا أقل من الإطمئنان بذلك ، وفيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلّم في سند كلّ رواية بخصوصها .



 إلى أن قال : وحاصل ما تقدّم أنّ وجود الزيادات في مصحف علي ( ع ) وإن كان صحيحاً ، إلّا أنّ هذه الزيادات ليست من القرآن ، وممّا أمر رسول الله ( ص ) بتبليغه إلى الأمّة ، فإنّ الالتزام بزيادة مصحفه بهذا النوع من الزيادة قول بلا دليل ، مضافاً إلى أنّه باطل قطعاً . ويدلّ على بطلانه جميع ما تقدّم من الأدلّة القاطعة على عدم التحريف في القرآن . البيان في تفسير القرآن : 225 .



 قال العلّامة البلاغي : إنّ القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار وقد وصف علماء الرجال كلاًّ منهم بأنّه :



 1 - إمّا ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية .



 



 2
- وإمّا أنّه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ، ويروي عن الضعفاء .



 3 - وإمّا بأنّه كذّاب متّهم لا أستحلّ أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً ، وأنّه معروف بالوقف ، وأشدّ الناس عداوة للرضا ( ع ) .



 4
- وإمّا بأنّه كان غالياً كذّاباً .



 5
- وإمّا بأنّه ضعيف لا يلتفت إليه ، ولا يعوّل عليه ومن الكذّابين .



 6
- وإمّا بأنّه فاسد الرواية يرمى بالغلوّ .



 ومن الواضح أنّ أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً ، هذه حال المسانيد ، وأمّا أكثر المراسيل ، فمأخوذة من تلك المسانيد . آلاء الرحمن : 26 .



 



 
نظرة إلى كتاب فصل الخطاب



 إنّ كثيراً من المخالفين استندوا في إتّهام الشيعة بالتحريف إلى كتاب فصل الخطاب للمحدّث النوري ، فلابدّ من البحث فيه تارة ممّا تصد من تأليفه هذا ، وأخرى من مخالفة علماء الشيعة إيّاه وردّهم على هذا الكتاب .



 قال المحقّق الطهراني ، تلميذ المحدث النوري : « أثبت فيه عدم التحريف بالزيادة والتغيير والتبديل وغيرها ، ممّا تحقّق ووقع في غير القرآن ، ولو بكلمة واحدة ، لا نعلم مكانها ، واختار في خصوص ما عدى آيات الأحكام وقوع تنقيص عن الجامعين ، بحيث لا نعلم عين المنقوص المذخور عند أهله ؛ بل يعلم إجمالاً من الأخبار التي ذكرها في الكتاب مفصلاً ، ثبوت النقص فقط » .



 وردّ عليه الشيخ محمود الطهراني الشهير بالمعرب ، برسالة سمّاها « كشف الارتياب عن تحريف الكتاب » فلمّا بلغ ذلك ، الشيخ النوري كتب رسالة فارسيّة مفردة في الجواب عن شبهات « كشف الارتياب » . . . فكان شيخنا يقول : لا أرضى عمّن يطالع « فصل الخطاب » ويترك النظر إلى تلك الرسالة .



 ذكر في أوّل الرسالة الجوابيّة ، ما معناه : أنّ الاعتراض مبنيّ على المغالطة في لفظ التحريف ، فإنّه ليس مرادي من التحريف ، التغيير والتبديل ؛ بل خصوص الإسقاط لبعض المنزل المحفوظ عند أهله ، وليس مرادي من الكتاب ، القرآن الموجود بين الدفّتين ، فإنّه باق على الحالة التي وضع بين الدفّتين في عصر عثمان ، لم يلحقه زيادة ولا نقصان ؛ بل المراد الكتاب الإلهى المنزل .



 وسمعت عنه شفاهاً يقول : إنّي أثبتّ في هذا الكتاب إنّ هذا الموجود المجموع بين الدفّتين كذلك باق على ما كان عليه في أوّل جمعه كذلك في عصر عثمان ، ولم يطرء عليه تغيير وتبديل ، كما وقع على سائر الكتب السماويّة ، فكان حريّاً بأن يسمّى « فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب » فتسميته بهذا الإسم الذي يحمله الناس على خلاف مرادي ، خطأ في التسمية ، لكنّي لم أرد ما يحملوه عليه ، بل مراديإسقاط بعض الوحي المنزل الإلهي ، وإن شئت قلت : إسمه « القول الفاصل في إسقاط بعض الوحي النازل » . الذريعة ج 16 ص 231 .



 ويقول العلّامة السيّد هبة الدين الشهرستاني في رسالة بعثها تقريظاً على رسالة البرهان التي كتبها الميرزا مهدى البروجردي بقم المقدسة 1372 :



 منذ الصغر أيّام مكوثي في سامراء مسقط رأسي ، حيث تمركز العلم والدين تحت لواء الإمام الشيرازى الكبير ، فكنت أراها تموج ثائرة على نزيلها المحدّث النوري بشأن تأليفه كتاب « فصل الخطاب » فلاندخل مجلساً في الحوزة العلميّة إلّا ونسمع الضجّة والعجّة ضدّ الكتاب ومؤلّفه وناشره يسلقونه بألسنة حداد . البرهان : 143 .



 وقد كتب أرباب العلم في الردّ عليه ونقض كتابه بأقسى كلمات ، وأعنف تعابير ، وممّن كتب في الردّ عليه من معاصريه : الفقيه المحقّق الشيخ محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرّب الطهرانى ( المتوفي 1313 ) كتاباً سمّاه « كشف الإرتباب في عدم تحريف الكتاب » بحيث ألجأ المحدّث النوري إلى أن تراجع عن رأيه بعض الشيء وتأثّر كثيراً بهذا الكتاب.



 



 وكتب في الردّ عليه معاصره : العلّامة الشهرستانى في رسالة سمّاها « حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف » .



 وهكذا كتب في الردّ عليه كلّ من كتب في شؤون القرآن ، أو في التفسير كالحجّة البلاغي ( 1352 ) في مقدّمة تفسيره « آلاء الرحمن » قال تشنيعاً عليه : وإنّ صاحب فصل الخطاب من المحدّثين المكثرين في التتبّع للشواذّ وإنّه ليعدّ هذا المنقول من « دبستان المذاهب » ضالّته المنشودة مع اعترافه بأنّه لم يجد لهذا المنقول أثراً في كتب الشيعة . آلاء الرحمن : 1 / 25 .



 وقد كتب صاحب الذريعة رسالة حاول فيها تأويل ما عرف عن شيخه المحدّث النوري من القول بتحريف الكتاب ، وقدّمه للشيخ محمد الحسين آل كاشف ، يطلب رأيه في الكتاب فقرّظه الشيخ ، ورجّح فيه عدم نشره ، ومن ثمّ لم يطبعها امتثالاً لأمره . راجع الذريعة : 24 / 278 .



 
التحريف عند علماء اهل السنّة



 ذكر أكثر علماء أهل السنّة : أنّ بعض القرآن قد نسخت تلاوته ، وحملوا على ذلك ما ورد في الروايات أنّه كان قرآناً على عهد رسول اللّه ( ع ) فنذكر جملة من هذه الروايات ، ليتبيّن أنّ الالتزام بصحّة هذه الروايات ، الإلتزام بوقوع التحريف في القرآن .



 وقد صرّح عدّة علماء أهل السنة بوقوع التحريف في القرآن كالسجستاني حيث صنّف - كتاب « المصاحف » وقد ألّف أحد علماء الأزهر كتاباً باسم « الفرقان في تحريف القرآن » وقد طبع وانتشر ولديّ نسخة منه ، والمحقّقون من علماء السنّة والشيعة لا يقيمون لهذه الكتب وزناً ولا قيمة . رسائل ومقالات للشيخ جعفر السبحاني : 402 .



 قال الشعراني : ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان . الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر : 143 .



 قال الآلوسي بعد نقل الأخبار التي تدلّ على التحريف : والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى . روح المعاني : 1 / 24 .



 وقال فخر الدين الرازي في تفسيره : نقل في الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن ، وكان ينكر كون المعوذّتين من القرآن . التفسير الكبير : 1 / 169 .



 ونقل السيوطي عن ابن عباس وابن مسعود أنّه كان يحكّ المعوذّتين من المصحف ، ويقول : لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ، إنّهما ليستا من كتاب اللّه ، إنّما أمر النبي صلى اللّه عليه وآله أن يتعوّذ بهما ، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما . الدر المنثور : 6 / 416 .



 



 
روايات أهل السنّة الدالّة على التحريف



 قد روي عن عمر أنّه قال : لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ، وما يدريه ما كلّه ؟ قد ذهبت منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر . الإتقان : 2 / 40 .



 وعنه أيضاً كنّا نقرأ : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » فيما فقدنا من كتاب اللّه . الدر المنثور : 1 / 106 .



 وعن عمر بن الخطاب أيضاً : إنّ اللّه بعث محمد ( ص ) بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل اللّه : آية الرجم ، فقرأناها ، وعقلناها ، ووعيناها ، فلذا رجم رسول اللّه ( ص ) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : واللّه مانجد آية الرجم في كتاب اللّه فيضلّوا بترك فريضة أنزلها اللّه . . . ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه : « أن لاترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم » . صحيح البخاري : 8 / 26 ، كتاب الفرائض باب من أصاب ذنباً دون الحدّ .



 



 



 
لم تقبل عن عمر آية الرجم



 وقال السيوطي أيضاً : أخرج ابن أشته في المصاحف عن الليث بن سعد . قال : أوّل من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد . وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها ، لأنّه كان وحده . الاتقان : 1 / 101 ، وعون المعبود : 10 / 20 .



 



 
عمر يخاف أن يزيد آية الرجم



 عن سعيد بن المسيّب عن عمر قال : رجم رسول اللّه ، ورجم أبو بكر ورجمت ولو لا أنّي أكره أن أزيد في كتاب اللّه لكتبته في المصحف ، فإنّي قد خشيت أن تجى أقوام لا يجدونه في كتاب اللّه فيكفرون به . رواه الترمذي وقال حسن صحيح . الاتقان : 1 / 101 ، وعون المعبود : 10 / 20 .  صحيح الترمذي كتاب الحدود : 2 / 443 ح 1457 باب ما جاء في تحقيق الرجم ، كنز العمال : 5 / 430 رقم 13515 عن ( ت ق ) وقال ( ت ) حسن صحيح وروى عنه من غير وجه عن عمر .



 وفيما رواه الشافعي ، قال عمر : والذى نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللّه لكتبتها « الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة » فإنّا قد قرأناها . اختلاف الحديث للإمام الشافعي ص 533 .



 



 
ذهاب ثلثي القرآن على رأي الخليفة



 قال السيوطي : وأخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعاً : القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف . الإتقان : 1 / 121 ، مجمع الزوائد : 7 / 163 ، الدر المنثور : 6 / 422 ، المعجم الأوسط : 6 / 361 .



 مع أنّ القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار ، كمإ؛!! قال القرطبي : وأمّا عدد حروفه وأجزائه فروى سلام أبو محمد الحماني ، أنّ الحجّاج بن يوسف جمع القُرّاء والحُفّاظ والكُتّاب ، فقال : أخبروني عن القرآن كلّه كم من حرف هو ؟ .



 قال : وكنت فيهم ، فحسبنا فأجمعنا على أنّ القرآن ثلثمائة ألف حرف وأربعون ألف حرف وسبعمائة حرف وأربعون حرفاً ، ( 740 / 340 ) . . . . تفسير القرطبي : 1 / 64 ، وتفسير ابن كثير : 1 / 8 .



 



 
ذهاب 200 آية من الأحزاب على رأي الخليفة وعائشة



 روى السيوطي عن حذيفة قال : قال لي عمر بن الخطاب : كم تعدّون سورة الأحزاب ؟ قلت ثنتين أو ثلاثاً وسبعين ، قال : إن كانت لتقارب سورة البقرة ، وإن كان فيها لآية الرجم . الدر المنثور : 5 / 180 ، كنز العمال : 2 / 480 ح 4550 ، عن مسند عمر بن الخطّاب .



 وروى السيوطي أيضاً عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مئتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف ، لم يقدر منها إلّا ما هو الآن الدر المنثور : 5 / 180 ، نشر : دار المعرفة - بيروت . ( 6 / 650 ، ط . دار الفكر ، بيروت ، 1993 ) ، الاتقان : 2 / 40 . .



 روى الحاكم عن أبيّ بن كعب ، ثمّ قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه المستدرك : 2 / 415 ، 4 / 359 روى ابن الجوزي عن مجاهد . نواسخ القرآن : 34 . وروى السيوطي عن عكرمة . الدر المنثور ج 5 ص 180 .



 وبما أنّ سورة البقرة 286 آية ، فيكون الناقص من سورة الأحزاب حسب هذه الرواية أكثر من 200 آية !!



 



 
ذهاب سورة على رأي أبيموسى الأشعري



 وعن أبي موسى الأشعري : إنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها في الطول والشدّة بالبراءة فأنسيتها ، غير أنّي قد حفظت منها : « لو كان لابن آدم واديان من المال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا تراب » صحيح المسلم : 3 / 100 .



 روى الهيثمي عن أبي موسى الأشعري قال : نزلت سورة نحواً من براءة فرفعت ، فحفظت منها : « إنّ اللّه ليؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم » . . . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد وفيه ضعف ، ويحسن حديثه لهذه الشواهد . مجمع الزوائد : 5 / 302 .



 



 
ذهاب سورتي عن مصحف ابن عباس



 وقد نقل بطرق عديدة عن ثبوت سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عباس وأبيّ بن كعب : « اللّهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، اللّهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعي ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إنّ عذابك بالكافرين ملحق » . الإتقان : 1 / 122 و213 .



 
سقوط آيات من القرآن لقتل حفّاظه



 عن ابن شهاب ، قال : بلغنا أنّه كان أنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه ، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب . كنز العمال : 2 / 584 رقم 4778 .



 



 
ضاع من سورة البرائة أكثرها



 روى الحاكم عن حذيفة ، رضي اللّه عنه ، قال : ما تقرؤون ربعها ، يعني براءة ، وإنّكم تسمّونها سورة التوبة ، وهي سورة العذاب . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . المستدرك : 2 / 330 .



 



 
أسطورة نسخ تلاوة القرآن



 قد أجاب كثير من علماء أهل السنّة بأنّ المراد من هذه الآيات هي الآيات التي نسخت تلاوته دون حكمه ، كما يقول الآلوسي : أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته ، وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ . روح المعاني : 1 / 24 .



 



 يردّه امور :



 1 - إنّ القول بالنسخ مضافاً إلى أنّه قول بلادليل فهو عين التحريف ، كما قال السيّد الخوئي : غير خفيّ أنّ القول بنسخ التلاوة بعينه القول بالتحريف والإسقاط . لأنّ نسخ التلاوة هذا ، إمّا أن يكون قد وقع من رسول اللّه ( ص ) وإمّا أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده ، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول اللّه ( ص ) ، فهو أمر يحتاج إلى الإثبات . وقد اتّفق العلماء أجمع ، على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الأصول وغيرها الموافقات لابي اسحاق الشاطبي ج 3 ص 106 . ؛ بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه ، وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، بل إنّ جماعة ممّن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة ، منع وقوعه الإحكام في اصول الأحكام للامدي ج 3 ص 217 . .



 وإن أرادوا أنّ النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبي ( ص ) فهو عين القول بالتحريف . وعلى ذلك ، فيمكن أن يُدّعى أنّ القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنّة ، لأنّهم يقولون بجواز نسخ التلاوة ، سواء أنسخ الحكم ، أم لم ينسخ البيان : 206 . .



 2 - ينافى الروايات التي تدلّ على قراءة الصحابة هذه الآيات بعد وفاة النبي ( ع ) ، كما في رواية عائشة في آية الرضاع : « فتوفّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ، وهنّ مّما تقرأ من القرآن » . صحيح مسلم : 4 / 168 كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات ، الأمّ : 7 / 236 ، الموطّأ : 2 / 608 .



 وهكذا قولها : « كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى اللّه عليه وسلم مأتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدرمنها إلّا على ماهو الآن » . الدر المنثور : 5 / 180 ( ط . دار الفكر - بيروت - 1993 ) .



 وهكذا ما مرّ عن عمر ، أنّه قال : « لا يقولنّ أحدكم قد اخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه ؟ قد ذهبت منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر » . الاتقان : 2 / 40 ، الدر المنثور : 1 / 106 .



 وروت حميدة بنت أبي يونس . قالت : قرأ عليّ أبي وهو ابن ثمانين سنة ، في مصحف عائشة : « إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ، وعلى الذين يصلّون الصفوف الأوّل » . قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف . الإتقان : 2 / 40 - 41 .



 وذكر السيوطي : أخرج ابن أشته في المصاحف عن الليث بن سعد . قال : أوّل من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وإنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها ؛ لأنّه كان وحده . الإتقان : 1 / 101 .



 وروى ابن أبي داود وابن الأنباري عن ابن شهاب ، قال : بلغنا أنّه كان أنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه ، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب . كنز العمال : 2 / 584 رقم 4778 .



 3 - انكار جمع من العلماء قضيّة نسخ التلاوة كما قال الشوكاني : منع قوم من نسخ اللفظ مع بقاء حكمه ، وبه جزم شمس الدين السرخسي ، لأنّ الحكم لا يثبت بدون دليله . إرشاد الفحول : 189 ، أصول السرخسى : 2 / 78 .



 وحكى الزرقاني عن جماعة في منسوخ التلاوة دون الحكم : إنّه مستحيل عقلاً ، وعن آخرين منع وقوعه شرعاً . مناهل العرفان : 2 / 112 .



 ولم يصحّح الرافعي القول بنسخ التلاوة وأبطل كل ما حمل على ذلك . وهكذا أنكر ذلك : رشيد رضا ، صبحي الصالح ومصطفى زيد . راجع : المنار : 1 / 413 ، إعجاز القرآن : 44 ، النسخ في القرآن الكريم : 1 / 283 ، مجلة تراثنا ج 13 ص 139 ، سلامة القرآن من التحريف : 213 .

حسيني قزويني
http://valiasr-aj.com/fa/page.php?bank=maghalat&id=13